وليد شقير

بين المعلن والمضمر

10 آذار 2023

02 : 00

بين المضمر والمعلن في مناورات الفرقاء اللبنانيين ومواقفهم من الاستحقاق الرئاسي المؤجل، لا يلبث الخطاب السياسي أن ينكشف في شكل لا يقبل الجدل أمام من يدقق في تناقضات السرديات التي تتوالى في ظل اضطرار هؤلاء الفرقاء للكثير من التبرير والتفسير من أجل تبرئة أنفسهم بالتسبب بإطالة الفراغ الرئاسي.

ليس «حزب الله» الطرف الوحيد الذي يحتاج إلى التبرير والتفسير وإبعاد التهم عنه بالتسبب بالفراغ الرئاسي، وبأنّه يقفل الباب على سلوك خيار رئاسي يأخذ في الاعتبار هواجس الفرقاء اللبنانيين الآخرين، ولا سيما الفريق المسيحي، الذي باتت أكثريته في مزاج معاكس بقوة لسياسة «الحزب»، لا سيما بعد الافتراق الكبير بينه وبين «التيار الوطني الحر» في شأن الرئاسة وأكثر من الرئاسة. فهناك فرقاء آخرون غير «الحزب» هم مثله في مأزق التناقض بين المعلن والمضمر، والارتباك، نتيجة شغور الرئاسة والتعادل السلبي في الفشل في إيصال من يرغبون إلى الموقع الأول في الجمهورية.

في كشف المضمر قياساً إلى المعلن، لا يمكن إلّا التوقف عند ما قاله الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه في السادس من آذار بقوله: «نحن نريد جدياً إنتخاب رئيس للجمهورية، ولا نريد الفراغ»، وبين قول نائبه الشيخ نعيم قاسم الذي توخى الوضوح والصراحة، في تغريدته التي جاء فيها: «طريقان لا ثالث لهما: إمَّا طرحُ الكتل لأسماء المرشحين لديها للرئاسة والحوار في ما بينها لتأمين الترجيح لأحدهم، وإمَّا التمترس حول خياراتها وعدم إنجاز الاستحقاق إلى أجل غير مسمَّى».

هنا، المعلن بحد ذاته يكشف المضمر، ويتلخص بإفهام من لم يستوعب بعد بأن المعادلة هي، حتى إشعار آخر: هذا مرشحنا سليمان فرنجية، إما تقبلون به أو أنّ الفراغ مستمر إلى ما شاء الله. في كل الأحوال، هذا ما فهمه بعض الأوساط السياسية المتصلة بـ»الثنائي الشيعي» بعد إعلان كل من نصرالله ورئيس البرلمان نبيه بري أن فرنجية هو مرشحهما، ومن أوساطهما، في شكل مباشر. وهما أخذا على عاتقهما إعلان دعمهما لترشيحه، قبل أن يعلن هو هذا الترشيح الذي كان وعد بأن يعلنه عندما يحين وقته ويتبيّن له أنّ هناك توافقاً عليه. بهذا الإعلان بات فرنجية أسير ترشيح «الثنائي»، إذا أعلنه لاحقاً يكون لزوم ما لا يلزم. المعلن في خطوة «الثنائي» أنّ فرنجية ليس مرشح «حزب الله»، بل أنه يدعم ترشيحه، والرجل لم يعلنه، والمضمر أنه لا مرشح له غيره، ولا «خطة ب» ولا من يحزنون. فعلى ماذا الحوار في هذه الحال؟

أمّا حديث الحوار حول الرئاسة، فهو من باب المجادلة وتغطية المضمر بالمعلن، لا سيما إذا كانت المنهجية التي يسعى «الحزب» إلى اتباعها في هذا الحوار، وهي أنّ الهدف منه استعراض عدد الأصوات التي يحصل عليها كل مرشح فتقع «القرعة» على من لديه العدد الأعلى، حين كانت الأوراق البيض في الجلسة الحادية عشرة للانتخاب 37 ورقة بيضاء مقابل 34 لمرشح السياديين النائب ميشال معوض. فلماذا الحوار في هذه الحال طالما النتيجة معروفة سلفاً وطالما يقول «الحزب» إن «ليس هناك حل آخر»؟

لا تتوقف المفارقات بين المعلن والمضمر. بين ما يقوله «الحزب» في خياره الرئاسي، نصيحته لخصومه بألا ينتظروا الخارج، لأن لا تسوية وأنّه يريد رئيساً لا يطعن المقاومة في الظهر. أي ألا يتناغم مع القوى الدولية والإقليمية التي تخاصم محور المقاومة، فيما هو يترقب المواجهات الإقليمية التي يتيح له الرئيس والسلطة السياسية التي يرضى وترضى بالتناغم مع موجباتها، مثلما كان راضياً عن انسجام العهد العوني معها. لـ»الحزب» وحده الحق في انتظار الخارج وتطويع الداخل مع هذا الخارج، سواء جاء على شكل تسويات مثلما حصل في شأن ترسيم الحدود البحرية، أم في صيغة حروب وصراعات.

عندما يلوم «حزب الله» خصومه على تلويحهم باعتماد الأسلوب الذي اعتمده هو وحلفاؤه ولاموه عليه، بتعطيل انتخابات الرئاسة بين 2014 و2016 حتى انتخاب الرئيس ميشال عون، ثم يقول: «هذا حقكم الطبيعي»، فإنّ المضمر هنا هو استخدامه تعطيل خصومه نصاب الثلثين، بذريعة منع وصول مرشحه، متكلاً على التعادل السلبي في ميزان القوى الراهن من أجل إطالة أمد الفراغ مهما امتد الزمن. وهو بذلك يشرّع آفة التعطيل التي ابتدعها خلافاً لكل الأعراف والدستور، لأنّه وسيلته للضغط على الخارج الذي يشترط مواصفات للرئيس يتجنب توظيف البلد في الصراع الإقليمي.


MISS 3