"الحركة الثقافية - أنطلياس":عبرت المتاريس في الحرب والحواجز في السلم

02 : 00

تنظّم "الحركة الثقافية - أنطلياس" المهرجان اللبناني للكتاب منذ أكثر من 40 عاماً (تصوير رمزي الحاج)
ليس غريباً أن تولد "الحركة الثقافية - أنطلياس" إبان الحرب الأهلية. فتلك "الجماعة" المكوّنة من "محبّي العمل الثقافي الوطني" الناشطة في كنف دير مار الياس - أنطلياس، ردّت على المتاريس والقتال والدمار بالثقافة.

منذ 1978 تشكّل "الحركة الثقافية - أنطلياس" علامة فارقة في الثقافة الوطنية. فتلك الحركة التي تذكّر ابتداءً من اسمها بمحطات تاريخية وطنية لبنانية، أبرزها عامية أنطلياس، لم تقبل إبان الحرب بالأمر الواقع، ولا بجغرافية المتاريس التي قسّمت الأرض وحالت بين اللبنانيّات واللبنانيين. ومنذ البداية عملت وتحرّكت لبنانيّاً "ملتزمة بقضايا الإنسان والوطن، بعيدة عن أي التزام سياسي فئوي"، وفق ما جاء في ميثاقها. ويروي أمين الإعلام فيها الدكتور عصام خليفة: "عملنا البيان الثقافي الوطني خلال الحرب، ونشطنا لبناء تجمع الهيئات الثقافية، ووقفنا ضد نظام الحرب الذي كان يقضي على الشعب والدولة".

وانطلاقاً من الرد الثقافي الوطني على الحرب، ومن الدور الثقافي في بناء الوطن والإنسان، تأسست الحركة وباتت "مؤسسة ثقافية حرّة، تسعى إلى تأمين الشروط الفضلى لحوار حول مختلف المواضيع، وفي كل الميادين، بين مختلف التيارات والاتجاهات، بغية ترسيخ الوحدة الوطنية على أسس السيادة والاستقلال والتقدم والانفتاح، وتعزيز الالتزام بقيم الديمقراطية والحرية والسلام وحقوق الإنسان".

ليست نادياً ولا حزباً

ولم تكتفِ الحركة بمواجهة النتائج المباشرة للحرب، لقد اهتمت كما أعلنت في ميثاقها بـ"إعداد إنسان جديد لمجتمع جديد، إنسان حرّ واعٍ وصامد، مثقف ومسالم، إنسان أصيل، مرتبط بأرضه وتراثه، عارف بحضارته وبقيمها، توّاق للترقي ولمستقبل أفضل، في وطن موحّد، مستقلّ، ديمقراطي، علماني، منفتح على محيطه العربي ومتفاعل معه ومع العالم، في إطار من السيادة الوطنية المطلقة".

وكما خلال الحرب حين غدت الحركة مساحة وطنية تتجاوز المتاريس، كذلك بعد الحرب تجاوزت الحركة الحواجز بين اللبنانيات واللبنانيين، ملتزمة الحوار الثقافي، ولم تتحول إلى عنوان يجمع الكتاب والباحثين والأكاديميين فحسب، بل مارست من دون أن تتحول إلى حزب أو جماعة عقائدية بلون واحد التزامها في الدفاع عن حقوق اللبنانيّات واللبنانيين وطموحاتهم. وفيما واظبت على تنظيم مؤتمر سنوي يتطرّق لأهم القضايا الوطنية اللبنانية ويشارك فيه أكاديميون وكتاب وباحثون في مختلف الميادين، لم تهمل البعد الثقافي الإنساني خارج حدود الدول. وفي هذا الإطار، نظّمت الحوار الشهير مع الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي (2 كانون الأول 2005). وقد شكّل هذا الحدث ما يتجاوز الاحتفال بالشخصية الإصلاحية والاحتفاء بتوجّهاتها الدينية والحضارية إلى الرسالة الثقافية للحوار بين شعوب المنطقة والعالم.

ثقافة الحرية والأزمة الإقتصاديةويبقى النشاط الأبرز الذي تصرّ عليه الحركة وتنظمه سنوياً هو المهرجان اللبناني للكتاب. وبعد غياب ثلاث سنوات، بسبب إجراءات مواجهة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية، يعود هذا العام (من 3 حتى 12 آذار) بدورته الأربعين، وتحت عنوان "ثقافة الحرية والمئويّة الثالثة للحضور الأنطوني في أنطلياس". وإضافة إلى الندوات والتواقيع الكثيفة، كرّم المهرجان الروائيين رشيد الضعيف وعلوية صبح والكاتب عيسى مخلوف والتينور إدغار عون والفنان صلاح تيزاني (أبو سليم الطبل). وفي يوم المرأة العالمي 8 آذار، وجّه تحية إلى الناشطة في الحركة الراحلة د. تريز الدويهي حاتم. وكرّم المعلّمَين كبريال شماعة وعبدو خاطر.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية، وسّع المهرجان هذا العام المساحة التشجيعية، إذ خفّض، وفق خليفة، بدل المتر المربع من مئة دولار إلى 40 دولاراً، ما يخفف المصاريف على دور النشر ويسمح لها بخفض أسعار الكتب. ويلفت خليفة إلى توفير المعرض مساحات مجانية مقابل عرض دور النشر كتباً بأسعار رخيصة. ويشير إلى أن تلك المساحات تلقى إقبالاً من زوار المعرض وخصوصاً الشباب الذين يريدون المطالعة لكن قدراتهم محدودة في ظل تراجع القيمة الشرائية.

أمناء على الكلمة

ولاحظت الأمينة العامة للحركة نايلة أبي نادر، خلال افتتاح المعرض، "تراجع الاهتمام بالكتاب في مرحلة مصيرية كالتي تمر بها البلاد، وانحسار جاذبية الكتاب مقابل الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي التي غزت الهواتف الذكية وأسرت في عالمها الافتراضي الملايين، وانكفاء المفكرين والمبدعين عن عملية نشر مؤلفاتهم، إما يأساً وإما بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة أو بسبب غياب سياسة تهتم بالنهوض بالفكر باعتباره ركيزة في بناء الحضارة وترسيخ الوطن، وانشغال الجيل الشاب بتأمين أكثر من فرصة عمل لكسب ما يمكّنه من الاستمرار إلى جانب الأهل".

أضافت: "كل ما ذكرنا أعلاه وغيره لن يمنع المبدع من التفكير، والمؤسسات المختصة من النشر، والدليل على ذلك متابعة الإصدارات الجديدة، وإقامة المعارض الكبرى في دول عربية شقيقة عدة. هناك إرادة توحي بعدم الرغبة في الاستسلام، وعدم الوقوع في التراخي، إنما على العكس، تشبيك المساعي الطيبة، ومد الجسور للعمل معاً على إعادة الوهج للكلمة المطبوعة، واستعادة التمتع بالإحساس بالورق وتقليبه والكتابة عليه بأحرف من حنين".

وتابعت: "ان ما تقوم به الحركة الثقافية اليوم، وغيرها من النوادي والمنتديات الثقافية الناشطة يعبر بقوة عن رفض جذري لما يحدث من حولنا. هذا التوق الجارف نحو الفكر الحر، واللقاء المتفلت من قيود الأيديولوجيات الضيقة، والرفض القاطع لإقصاء الآخر بمجرد أنه مختلف في طروحاته الفكرية، هذا ما يحركنا ويجعلنا نغامر مع أصحاب دور النشر والجامعات المشاركة والمؤلفين المنفردين، باعتبارهم جميعاً أمناء على الكلمة والفكر وثقافة الحرية".


MISS 3