جاد حداد

The Strays... الإختلافات العرقية تحت المجهر

11 آذار 2023

02 : 00

تسود أجواء مفرطة من الشؤم منذ أول مشهد في الفيلم الجديد The Strays (الضالان) الذي تعرضه شبكة "نتفليكس" ويدخل في خانة الرعب الاجتماعي. على وقع موسيقى متنافرة، يظهر مبنى سكني في لندن حيث تقيم "شيريل" (آشلي ماديكوي)، وهي امرأة سوداء ذات بشرة فاتحة. تبدو عليها معالم الانزعاج، وتظهر بيانات مصرفية موضوعة جانباً كُتِب عليها عبارة ساطعة: "المدارس خانت الأولاد السود"! ثم تذكر بطلة القصة ديون بطاقات الائتمان خلال مكالمة هاتفية مع شقيقتها، ويُسمَع صوت غريب يطالبها بالمزيد. تدور هذه الأحداث في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ولا يكف أحد الأشخاص عن الاتصال بـ"شيريل" على هاتفها القديم قبل أن تخرج وهي تحمل حقيبة كتف وملاحظة خطية تدعوها للتوجه إلى مصفف الشعر أثناء هربها على الأرجح.

إنها بداية مضطربة ومقلقة، وهي تطرح عدداً من الأسئلة الواعدة: إلى أين تذهب "شيريل" وما سبب رحيلها؟ ومن هو صاحب الصوت المشؤوم على جهاز الرد الآلي؟ إنها ركائز أساسية لأفلام التشويق. يجيب صانعو العمل على جزء من هذه الأسئلة، لكنها ليست أجوبة مُرضِية أو واضحة. يتطرق الممثل والكاتب البريطاني ناثانيال مارتيلو وايت، الذي يخوض أولى تجاربه الإخراجية في هذا الفيلم، إلى مواضيع شائكة مثل الانتماء العرقي والطبقي، لكنه يبالغ في إضفاء جو التشويق على مسار تطور الشخصيات أو الأفكار العامة.

ينعكس هذا الجانب سلباً على أداء ماديكوي بدور "نيفي" (اسمها الأصلي "شيريل") التي أصبحت الآن نائبة مدير مدرسة رسمية ذات أغلبية بيضاء في إحدى الضواحي الإنكليزية الصغيرة. هي متزوجة من رجل أبيض، وهو وسيط تأمين اسمه "إيان" (جاستن سالينغر) ورجل منغمس في سلوكيات أصحاب الثروات البيض. تبدو قصة "نيفي" مقنعة في البداية، فهي تقود سيارة "رنج روفر"، وتضع قلادات مصنوعة من اللؤلؤ، وتستضيف حفلات لجمع التبرعات لصالح "التعساء" في أفريقيا، وتخفي حقيقتها وراء شعر مستعار. انتماؤها العرقي ليس سراً، إذ يقول ابنها "سيباستيان" (سامويل سمول) في أحد المشاهد "نحن سود"، حين تلوم "نيفي" زوجها على توظيف امرأة سوداء في مكتبها، لكن يبقى هذا الموضوع محظوراً. هي لا تتكلم عن الانتماء الأسود في أي لحظة، وتمنع ابنتها "ماري" (ماريا ألميدا) من تصفيف شعرها بطريقة تكشف خلفيتها. سرعان ما تبدأ بالانهيار حين يحضر شاب وفتاة أسودَان إلى البلدة، فيغيّران حياة "نيفي" الجديدة بطريقة جذرية.

يتعثر المخرج مارتيلو وايت في تعامله مع مواضيع الرعب الاجتماعي، فيعود الفيلم الممتد على 97 دقيقة بالأحداث إلى الوراء في فصله الثاني لسرد الأيام الخمسة السابقة من وجهة نظر "كارل" (جوردن مايري) و"ديون" (باكي باكري)، وهما الشخصيتان اللتان تزعجان "نيفي". من الواضح أنهما يحملان دوافع خاصة بهما لفضح هويتها الحقيقية.

يُركّز مارتيلو وايت على تفاصيل مثيرة ومخيفة، مثل لعبة مريبة على شكل قرد ضاحك في مدخل شقة "شيريل" القديمة. كذلك، يتخذ تصميم الصوت الذي يتزامن مع نزعة "نيفي" الهوسية إلى خدش أطراف شعرها المستشعار، تزامناً مع انكشاف ماضيها، منحىً لاذعاً وقوياً بما يكفي لجعل المشاهدين يتضايقون.

ثمة جانب مستفز ومثير للاهتمام في الطريقة التي تعتمدها "نيفي" لتقسيم حياتها بين امرأة سوداء من جهة وامرأة بيضاء ظاهرياً من جهة أخرى، وكيفية نقل العنصرية الداخلية إلى أولادها. على مر الفيلم، يبدو أداء ماديكوي كامرأة منفصلة عن ذاتها مضطرباً ومتفاوتاً، من حيث اللكنة والصوت ووضعية الجسم، ولا يساعدها السيناريو الثقيل الذي يعجز عن إيجاد صلة الوصل المناسبة بين مختلف الشخصيات.

لحسن الحظ، لا يصوّر الفيلم مظاهر العنف والانحطاط ضد الشخصيات السوداء بحجّة تمثيل هذه الفئة من الناس أو نقل الواقع. حتى أن مشاهد العنف فيه تبقى خفيفة نسبياً، باستثناء تحوّل عنيف في الفصل الأخير من القصة. مع ذلك، لا يقدّم العمل طرحاً مهماً عن الانقسامات العرقية والديناميات التي تطلقها. في النهاية، يخرج الصدام الحتمي والمبالغ فيه بين عائلة "نيفي" وإرث "شيريل" عن السيطرة وينتهي بعبارة تُضعِف طموحات العمل ونزعته إلى تقديم تعليق اجتماعي معيّن عن هذه المسائل الشائكة. تبدو آخر 15 دقيقة من الفيلم مزعجة ومتكلفة وغريبة، ويفتقر هذا الجزء إلى العمق. يحاول الفيلم تحليل المسائل العرقية والامتيازات وصعوبة الحراك الاجتماعي على البريطانيين السود بطريقة مثيرة للاهتمام، لكنه لا يصيب الهدف في نهاية المطاف.


MISS 3