سامي نادر

العدالة في توزيع الكلفة

24 شباط 2020

02 : 30

لكل أزمة ثمن. ولكل طريق للخروج من الأزمة تكلفة. السؤال الذي يجب أن يرشد كل من في موقع صناعة القرار ومكلف برسم استراتجيات وقف الإنهيار يمكن إختصاره بالتالي: ما هو الثمن المترتب على هذه الأزمة وكيف سيصار إلى توزيعه ؟ بتعبير آخر كيف سوف تتوزع الأعباء على فئات المجتمع؟ على أي شرائح إقتصادية وأي قطاعات ؟

العدالة في توزيع الكلفة هي المعيار الأول لتقييم خطة الحكومة للخروج من الأزمة. والتي لم نرَ منها في البيان الوزاري سوى شعارات فضفاضة. وقد تكون الإيجابية الأساسية في وجود صندوق النقد إلى جانب صانعي القرار، في كون دوره ليس فقط على المستوى التقني إنما أيضاً على مستوى الحوكمة ومقتضياتها، بما فيها العدالة في توزيع الأعباء.

فصندوق النقد، وهو طرف خارجي، وبالتالي خارج عن نظام المحاصصة، وكارتيل الأحزاب ومصالحها، وبالرغم مما يشاع عنه من سياسات تقشفية قاسية، غير أنه يشكل قاطرة في اتجاه الإصلاحات التي عجزت عن القيام بها أحزاب المحاصصة، كما ويشكل رادعاً للإستنساب الذي صار قاعدة وقوة دفع باتجاه مزيد من الشفافية في الأرقام وفي صنع القرارات وتنفيذها.

ولنقلها صراحة: غياب خطة من هذا النوع واستمرار الأمور على ما هي عليه، لا يفاقم الثمن ويسرع الإنهيار فحسب، إنما يحمّل العبء الأكبر للطبقة الوسطى والمواطن العادي لا سيما صاحب الدخل المحدود. فهو اليوم وفي ظلّ غياب خطة الإنقاذ يحمل العبء الأكبر، كي لا نقل مجمل العبء. مدخراته محجوزة بفعل التدابير الإستنسابية المتخذة من قبل المصارف. وظيفته وبالتالي مصدر رزقه ومورد عائلته مهدد بفعل الحصار المفروض على الشركات وقطاع الإنتاج. وقدرته الشرائية انهارت نتيجة إرتفاع الأسعار.

والخاسر الثاني الأكبر، قطاع الإنتاج. فالمؤسسات تغلق أبوابها بعدما جفت مصادر تمويلها، وانهارت مبيعاتها. هي شاهدت ببطء مراسم موتها البطيء في حين كانت اموال الودائع والتي فاقت أربع مرات حجم الإقتصاد تدوّر في محفظات سندات الخزينة وشهادات الإيداع. يبتلعها في المحصلة قطاع عام نهشه الهدر والفساد وكبار المستثمرين في الأصول السيادية.

نعم، هناك فئة أخرى، إستفادت من الهندسات المالية والإستثمارات بسندات الخزينة وراكمت الأرباح وضاعفت رأس المال مرات عدة قبل أن تخرج الأرباح إلى الخارج، وكانت أول المستفيدين من سياسة تثبيت سعر الصرف، لم تطلها الأزمة بعد، وإن طالتها، فبنسب أقل بكثير من المواطن العادي. وهي مطالبة اليوم بتحمّل قسطها من الأعباء.

قد يأتي من يرفع شعار الإقتصاد الحر، ليبرر تصرفات ربما لم تخرج عن القانون، إنما خرجت عن الأخلاق وعن مبدأ العدالة في توزيع الأعباء. الإقتصاد الحر يقوم بادئ ذي بدء على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص وبالتالي على نقيض قاعدة الإستنساب، بخاصة الأنظمة المافياوية. وإن اعتمدنا معيارعدالة توزيع الكلفة لتحديد سياسات المرحلة المقبلة لسهُلت الإجابة على سؤال يقض مضاجع المسؤولين: ندفع أو لا ندفع اليوروبوندز؟