شربل داغر

تمثال قاسم سليماني... المفاجئ

24 شباط 2020

02 : 20

لم تتوقف السجالات حتى تاريخ كتابة هذه المقالة حول ارتفاع تمثال لقاسم سليماني في بلدة مارون الراس في جنوب لبنان... وما زاد من السجالات ارتفاع تمثال آخر للعسكري نفسه في منطقة الأهواز (عربستان)، ذات الأغلبية العربية في إيران.

إذا كان هذا الجدل طبيعياً، متوقعاً، حول مساعي «التسيُّد» الإيراني في بيئات عربية مختلفة، فإن هذا التصرف يثير أسئلة فنية وفقهية، تطاول الموقف الإسلامي، بين شيعة وسنة، من... التمثال.فمن المعروف أن الفقه الإسلامي دعا إلى «التنزيه» (عدم التشخيص) في صنوف التصوير المختلفة، على اختلاف مذاهبه وأئمته ومجتهديه. هذا ما يمكن تتبعُه في كثير من الكتب، ومن الفتاوى، حتى القرن التاسع عشر.

مع ذلك لم يختفِ التصوير في المجتمعات الإسلامية، ولكن من دون أن يَظهر في المجتمعات عينها أي أثر لنحت تمثال. فقد بدا تمثيل الشخوص تعريضاً مباشراً بالنهي الفقهي المعروف، بينما جرى التخفف من ممانعة الصورة عبر معالجات مختلفة...

تبدلَ الموقف، بل السلوك، في القرن التاسع عشر، مع مظاهر وتجليات التفاعل والتأثر بالثقافة، والسلوك، والقيم، والإنتاجات الأوروبية المتصلة بالصورة ومتعلقاتها. هذا ما شملَ سياسات السلاطين العثمانيين، أو محمد علي، أو الأمير بشير الشهابي... وهو ما بلغَ، مع قيام «الدول» العربية المختلفة، طبعَ صور الملوك والرؤساء على كثير من العملات الوطنية. وهو ما شملَ إيران الخمينية بدورها، وصورَ الولي الفقيه وغيره فيها. وهو ما شملَ ايضاً اجتهادات وفتاوى محمد عبده والقرضاوي وخامنئي وغيرهم الكثير.

إلا أن صناعة التمثال بقيت بمنأى عن تهافت المنع القديم، ما يدعو إلى أكثر من سؤال، وما يتعدى مثال سليماني نفسه: هل يتهاوى بدوره «حصن» المنع الأخير؟ هل تبيح «الضروراتُ» (التعبوية، والرمزية، في هذه الحالة) «المحظوراتِ» الدينية؟الأكيد - أيا كانت الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها - هو أن قادة رأي في هذه البيئات «تتصرف» بالمقدسات، بالفقه، وبمشروعية هذه (حين تطلب توسعة سياستها)، فتجعل من إرثها القديم حطباً، أو حجارة، لرفع سياساتها.

كيف لا، وقد جعلوا لله... حزباً!


MISS 3