رامي الرّيس

دروس وعبر في ذكرى 14 آذار!

15 آذار 2023

02 : 00

لا يمكن أن تحل الذكرى السنويّة للرابع عشر من آذار من دون التوقف عند معاني هذه التجربة وخلاصاتها، الإيجابيّة منها، وتلك الأكثر قسوة، خصوصاً بعد مرور سنوات طويلة على تلك المحطة التاريخيّة في لبنان بكل ما للكلمة من معنى.

لقد كانت تلك اللحظة غير مسبوقة لبنانيّاً، إن كان لناحية تنامي الشعور بالوحدة الوطنيّة وتجاوز الأحقاد الطائفيّة والمذهبيّة الموروثة أو لناحية تعزيز فكرة الانتماء الوطني على حساب الانتماءات الأخرى التي غالباً ما كانت تتمظهر في الهيئات الوسيطة بين المواطن والدولة.

في تلك اللحظة، قادت الجماهير الأحزاب وليس العكس، وذهبت باندفاع نحو الساحة معبّرة عن تطلعاتها بقيام دولة مدنيّة لا طائفيّة يتساوى فيها المواطنون من دون تفرقة أو تمييز. لذلك، بقيت روحيّة 14 آذار قائمة حتى بعدما عصفت الخلافات بأركانها السياسيّة وتعارضت المقاربات بين القوى الأساسيّة المكونة لها إلى حدود عميقة.

لقد فرضت التوازنات السياسيّة في البلاد معادلات لم يكن من المتاح تجاوزها وإلا فإنّ ذلك كان كفيلاً بتوتير الأجواء ودفع لبنان نحو أتون الحرب الأهليّة مجدداً وهو ما لامسته أحداث السابع من أيّار 2008 التي شكلت منعطفاً خطيراً على طريق هدم مشروع الدولة الذي لم يكن قد قام أساساً ولم تكتمل عناصره بعد.

ليس هذا الكلام بمثابة تبرير لمآلات الأحداث التي تلت تلك الحقبة السوداء، بقدر ما هو يمثّل قراءة واقعيّة لما جرى يومذاك وكيف كانت المقاربة السياسيّة للعديد من الأطراف الفاعلة.

ولكن هذا لا يعني، في نهاية المطاف، توقف حركة النضال الشعبي في سبيل المساواة بين المواطنين على قاعدة ألا يكون هناك أي شكل من أشكال التمييز بينهم خصوصاً على القاعدة الطائفيّة والمذهبيّة، وأن تتحرّك أطر النضال نحو الدولة المدنيّة مع الاحتفاظ بالحريّات الدينيّة التي يكفلها الدستور اللبناني وهي تشكّل إحدى أبرز ميزات التعدديّة التي كانت سمة المجتمع اللبناني ويجب أن تبقى كذلك.

الإشكاليّة التي تطرح نفسها في هذه اللحظة السياسيّة الصعبة التي تمر بها البلاد تتصل بالبحث عن سبل التوفيق بين الكفاح لاستعادة التعافي الاقتصادي والاجتماعي على ضوء التدهور غير المسبوق والتضخم الجنوني الذي يعيشه لبنان، وبين مواصلة النضال لإصلاح النظام السياسي الذي ينقصه الكثير من الخطوات التي لم تعد تحتمل التأجيل.

إن الدوران في الحلقة المفرغة في ما يتعلق بقضيّة الإصلاحات السياسيّة إنما بات يدفع في اتجاه صدور الكثير من الأصوات التي تطرح خيارات تقسيميّة وفدراليّة لا تتلاءم إطلاقاً مع طبيعة التركيبة اللبنانيّة بتعدديتها وتنوعها وهي بمثابة انتحار جماعي للبنانيين جميعاً.

صحيحٌ أنّ حالة التعثر السياسي والشلل المؤسساتي باتت مثيرة للإحباط والاشمئزاز، إنما من الضروري التوضيح أن السبب الأساسي هو الفظاظة السياسيّة التي تمارسها بعض القوى في تشويهها المتعمّد للدستور والصيغة الميثاقيّة أكثر مما هو مرتبط حقاً باتفاق الطائف الذي ترجمه وتطلق عليه النيران السياسيّة دون إنقطاع.

قد لا يكون إتفاق الطائف مثاليّاً، فهو في نهاية المطاف إتفاق سياسي أوقف المدفع في لحظة الاحتراب اللبناني القاسية. ولكن الحكم بالإعدام على الاتفاق قبل إتمام تنفيذ بنوده، لا سيّما الاصلاحيّة منها، هو بمثابة قفز في المجهول وإدخال البلاد في مغامرة غير محسوبة النتائج من الممكن أن تكون تداعياتها أكثر سلبيّة من الواقع القائم بالرغم من سوداويته.

في ذكرى الرابع عشر من آذار، ثمّة الكثير من الخلاصات والدروس والعبر التي يمكن الركون إليها في مشروع بناء الدولة الحديثة. ولكن السؤال المركزي هو: أين أصبح هذا المشروع؟