سيلفانا أبي رميا

"عودٌ على مسار نضال"... حكايات أهالي المفقودين طوال 40 سنة

17 آذار 2023

02 : 01

بمناسبة مرور 40 سنة على ولادتها وكفاحها وصمودها أمام أسلحة الميليشيات والفساد، افتتحت لجنة "أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان" أمس، معرضاً بعنوان "عَودٌ على مسار نضال" ويستمرّ حتى 26 الجاري في قاعة جريدة "السفير". هذا المعرض التكريمي لمسيرة نادرةٍ رسمتها حفنة من النساء اللواتي شخن، يعلّمنا درساً طويلاً وعميقاً في مقاومة النظام الطائفي الذي ولّد ولا يزال الحروب والأزمات، ويوجّه تحيةً لكل مفقود، وباقة ورد لكل من سقط من أهالي القضية خلال العقود الأربعة الأخيرة.

داخل المعرض، يستقبلك خط زمني حاكته النساء بالوثائق والبنود والمقالات والقوانين وصور مفقوديهنّ. وعلى جدران القاعة تاريخ مكتوب يبدأ في العام 1982، وينتهي يوم ولادة "الهيئة الوطنية للمفقودين". هو خط زمني عن امرأة ثلاثينية جميلة لامست السبعين وشاخت، كانت تبتسم للحياة مطمئنّة قبل أن تدخل في كابوس ودوّامة انتظار لا ينتهيان. وعن دولة لم تشأ يوماً البحث عن مفقوديها، وعن لجنةٍ فُرض عليها أن تكون فكانت من معدن الوجع الذي لا يُخرق.

وفي القاعة، تطالعك آلاف الصور لشباب ونساء غابوا ولا نعرف مصيرهم حتى اليوم، وأخرى لمناضلين رحلوا عن الدنيا قبل أن يحق الحقّ وتشفي الحقيقة غصتهم على مفقوديهم. وبهيبة المحارب المناضل، تكسو أحد الجدران جدارية خاطها الأهالي بأيديهم وقاموا بحياكة أسماء أبنائهم بخيوط من ذهب لتبقى خالدة ومحفورة.

وعلى أنغام وكلمات أغنية "لا ضلّيت ولا فلّيت" بصوت شانتال بيطار، جال الزوار على مراحل الخط بحذافيرها، وبين الأوراق والصور والشاشات، أخذهم المعرض في رحلة طويلة طول سنين النضال، تعرّفوا من خلالها إلى أبرز المحطات التي طبعت تاريخ اللجنة من عملية الكشف عن المقابر الجماعية في الشبانية ومجدل عنجر وخلّة الزيتي، إلى قانون إثبات وفاة المفقودين، فإطلاق معتقلين من السجون السورية، مروراً بلحظات العثور على رفات ميشال سورا وغيرها.

وفي حديث إلى "نداء الوطن" قالت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وداد حلواني إنّ: "اللجنة أتمّت عامها الأربعين يوم 24 تشرين الثاني 2022، إلا أننا تأخرنا بإطلاق المعرض بسبب كثرة وصعوبة التحضيرات، فكما ترون اخترنا أن يحتوي معرضنا على خط زمني يحكي لكل اللبنانيين واللبنانيات بمختلف شرائحهم أبرز المحطات التي شكّلت فواصل ونقط التفاف في مسيرتنا، وهو ما تطلّب منّا الكثير من البحث والتجميع والتنظيم".

وأكدت أن المعرض هو عيّنة من مسار طويل فُرض على أهالي المخفيين قسراً، منذ حرب الـ1975 مروراً بتشكيل اللجنة عام 1982 حتى يومنا هذا. وأضافت: "هو خط طويل وسنين أطول نبحث فيها عن أهلنا وفلذات أكبادنا تحت القذائف وبين القنّاصين وأمام تهديدات الأحزاب والميليشيات وغياب الدولة".

وأشارت إلى أنه صحيح أن الحرب انتهت وجاء السلم إلا أنه مرّ مرور الكرام على وجع الأهالي وانتظاراتهم وظلمهم ولم يقف لحظة ليخبرهم حقيقة اختفاء أحبائهم الذين يلامس عددهم حسب التقديرات الرسمية 17 ألف مفقود.

وأردفت قائلةً: "اليوم نحن قطعنا شوطاً كبيراً عمره سنتان ونصف، فبعد 36 سنة من الاعتصامات والنضال والمواجهات مع المنظومة الحاكمة والمسؤولين، تمكّنا من انتزاع القانون المكرّس لحقوق هذه العائلات والذي يحمل الرقم 105 عام 2018. وعلى ضوئه تم ومنذ سنتين ونصف تشكيل هيئة وطنية مستقلة مسؤولة عن تقصّي الحقائق وتقفّي أثر المفقودين وتحديد مصيرهم، وأعطاها القانون صلاحيات واسعة جداً إلا أنها حتى اليوم لم تُعط أياً من هذه المقوّمات التي ينص عليها القانون، فلا مقرّ لها ولا موازنة وينقصها قاضيان ليكتمل نصابها بعشرة أعضاء".

وختمت حلواني حديثها داعيةً كل الناس وخصوصاً جيل الشباب ووسائل الإعلام والبعثات الدبلوماسية الموجودة في بلدنا، إلى زيارة المعرض والتعرّف إلى الحرب بتفاصيلها وبشاعتها والثمن الذي يدفعه كل من يخوضها لعلّهم يستوعبون خطرها ويبتعدون عن الانخراط فيها والمناداة بإضرامها في المستقبل.

النائب ابراهيم منيمنة كان أول من دخل أمسية الافتتاح، وأخبرنا أن "قضية المفقودين هي أكثر من قضية وطنية، هي مرحلة تأسيس هذا الوطن وتصالح شعبه مع الأحداث التي وقعت خلال وبعد الحرب الأهلية، عبر دروس حقيقية ومفيدة للمستقبل". وقال: "للأسف، عدم قدرتنا على حلّ هذا الملف وختمه، يدلّ على فشلنا في معالجة ترسّبات الحرب الأهلية التي لا تزال ترافقنا والتي نلمسها في الوضع السياسي والاقتصادي والأمني الراهن، والشلل الذي سبّبه النظام الطائفي كما سبّب الحرب الأهلية آنذاك". وأضاف: "أنا هنا اليوم كنائب تغييري وباسم الثورة، هذه القضية أهم قضايانا، وتمسّ كل لبناني بغض النظر عن طائفته وسياسته ومنطقته. واجبنا اليوم الوقوف إلى جانب أهالي المفقودين، إلى جانب أم وأخت وأخ وأب فقدوا أحبّاءهم ولا يعرفون مصيرهم. لا يمكنني أن أتخيّل صعوبة ما يشعرون به بعد كل هذه السنوات من ألم وحرقة ونقمة على الدولة التي أهملت مصير أبنائها. نحن هنا وسنبقى إلى جانبهم داعمين ومناضلين حتى تصل هذه القضية إلى خاتمتها".

بدوره أكد نائب رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً الدكتور زياد عاشور أن معرض اليوم هو تتمّة لسلسلة نشاطات وإنجازات بدأت بها لجنة أهالي المفقودين والهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً ونجحت، ولعلّ أهمها كان إقرار القانون 105 الذي شكّل انعطافاً أساسياً في مسيرة النضال الطويلة والسامية.

وقال: "نحن كهيئة وطنية شُكّلت على ضوء القانون، نحاول أن نكون مرجعاً وأداةً ووسيلةً للخروج من هذا النفق المظلم الذي يطفئ شمعته الأربعين. لكن وبغياب الدعم الرسمي لنا، هناك تباطؤ كبير وعرقلات تواجه أهدافنا". وختم: "النشاطات التي يقوم بها الأهالي هي النبض الذي يجعلنا على يقين أن القضية ما زالت على قيد الحياة، إلى حين تمكننا من الانطلاق في تقصي الحقائق كما يجب ومن دون استسلام".







أما الصحافي والناشط بول أشقر فأخبرنا أن "هذا المعرض يحكي كل ما فعله وأنجزه أهالي المفقودين من أجلنا ومن أجل قيام دولة حقيقية تستحقّ هذه التسمية. وأن هؤلاء بكل ما لديهم من قوة وعنفوان، أنجزوا ما فشلت الدولة في تحقيقه". وقال: "صحيح أن ما يتضمّنه المعرض مزعج للعين والذاكرة إلا أنه ضروري جداً للتكلم على حقبة طبعت حياة اللبنانيين وغيّرت مصيرهم وتركت الآلاف من دون إجابات واضحة حتى يومنا هذا". وأضاف: "أنا أدعو كل شاب وشابة لزيارة المعرض والغوص في الخط الزمني الذي يقدّمه، حيث سيكتسبون ويستوعبون في 40 دقيقة حجم وضخامة وأهمية ما فعلته مجموعة من النساء خلال 40 سنة".







MISS 3