إرتفاع ضغط الدم: تأثير الملح مختلف بين الرجال والنساء

02 : 00

تذكر تقارير منظمة الصحة العالمية أن عدد المصابين بارتفاع ضغط الدم حول العالم يبلغ 1.3 مليار شخص راشد، بين عمر الثلاثين والتاسعة والسبعين، وقد تضاعف عددهم منذ العام 1990.



تتعدد العوامل المعروفة التي تزيد خطر الإصابة بارتفاع الضغط، أبرزها ما يلي:

• العمر: يصبح ارتفاع ضغط الدم أكثر شيوعاً بعد عمر الخامسة والستين.

• الإنتماء العرقي: تكون جماعات عرقية معينة أكثر عرضة لارتفاع الضغط من غيرها.

• الوزن: البدانة عامل خطر أساسي للإصابة بارتفاع الضغط.

• إستهلاك الكحول والتبغ بانتظام.

• الجنس: يكون الرجال أكثر عرضة للإصابة بارتفاع الضغط من النساء. لكن يتغير الوضع بعد انقطاع الطمث.

• مشاكل صحية: قد تؤدي أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، وأمراض الكلى المزمنة، وزيادة مستويات الكولسترول، إلى ارتفاع ضغط الدم، لا سيما مع التقدم في السن.

يتعلق عامل غير معروف على نطاق واسع بالحساسية تجاه الملح، أي ميل الجسم إلى حبس الملح بدل إفرازه عن طريق الكلى. تذكر مراجعة للبيانات الوبائية نشرتها مجلة "هايبر تانشن" أن النساء من جميع الأعمار والانتماءات العرقية هنّ أكثر حساسية تجاه الملح من الرجال، ويبدو أن هذه النزعة إلى حبس المزيد من الملح تزيد بعد مرحلة انقطاع الطمث.

يقول المشرف الرئيسي على الدراسة، إيريك بيلين دو شانتيميل، خبير فيزيولوجي في مركز علم الأحياء الوعائي، في كلية جورجيا الطبية، في جامعة أوغوستا: "تُركّز هذه المراجعة في المقام الأول على الفكرة القائلة إن المرأة، قبل انقطاع الطمث أو بعده، تبقى أكثر حساسية تجاه الملح من الرجل".

ما معنى حساسية الملح؟

يحتوي الملح على 40% من أيونات الصوديوم و60% من أيونات الكلوريد. يحتاج الجسم إلى كمية صغيرة من الصوديوم يومياً (حوالى 500 ملغ أو ربع ملعقة صغيرة من الملح) لإنتاج النبضات العصبية، وشدّ العضلات وإرخائها، والحفاظ على التوازن المناسب بين الماء والمعادن.

لكن يستهلك معظم الناس الصوديوم بكميات تفوق حاجتهم. في البلدان ذات المداخيل المرتفعة، يشتق حوالى 75% من استهلاك الملح من الأغذية المُصنّعة والوجبات المستهلكة خارج المنزل.

توصي "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" بزيادة المنتجات الطازجة في الحمية الغذائية مقابل تخفيف استهلاك الملح. وعند تناول الأغذية المُصنّعة، ابحث عن المنتجات التي تشمل أقل من 600 ملغ في الحصة الواحدة.

تكشف الأبحاث رابطاً قوياً بين كمية الملح المستهلكة وارتفاع مستويات ضغط الدم. وفي معظم الحالات، يؤدي تخفيف الملح إلى تراجع الضغط.

على مستوى العالم، يستهلك الناس بين 9 و12 غراماً من الملح يومياً، أي ما يساوي ضعف الكمية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية (5 غرامات يومياً) للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية.

يستطيع البعض إخراج كمية إضافية من الملح المستهلك، فلا يرتفع ضغط الدم في هذه الحالة. لكن في حالات أخرى كثيرة، يؤدي تغيير استهلاك الملح إلى زيادة بارزة أو تراجع ملحوظ في ضغط الدم. تُعتبر هذه الفئة من الناس حساسة تجاه الملح.

تشير تقديرات "جمعية القلب الأميركية" إلى وجود حساسية الملح لدى 51% من المصابين بارتفاع الضغط و26% من غير المصابين بهذه المشكلة. وتكشف المراجعة الجديدة أن حساسية الملح هي جزء من العوامل المؤثرة في نصف الحالات التي يكون فيها سبب ارتفاع الضغط مجهولاً، وغالباً ما ترفع هذه الحساسية مستوى الضغط وتجعل الحالة مقاوِمة للعلاج.

تأثير الملح على الرجال والنساء

يعرف العلماء منذ وقت طويل أن الرجال قبل عمر الخامسة والستين يكونون أكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم من النساء، لكن تزيد نسبة الخطر لدى المرأة بعد مرحلة انقطاع الطمث.

لكن تذكر المراجعة الجديدة أن الحقيقة ليست بهذه البساطة، بما أن المرأة تكون أكثر عرضة لحساسية الملح التي تستطيع رفع ضغط الدم.

يبدو التفسير الذي يطرحه الباحثون مفاجئاً. يقول الدكتور بيلين دو شانتيميل إن الأدلة المستخلصة من البشر والحيوانات المخبرية تكشف أن كلى النساء تجيد إفراز الملح أكثر من كلى الرجال. يبدو أن المشكلة تتعلق بنظام الأوعية الدموية لأن الملح يُفترض أن يرخي تلك الأوعية أيضاً، لكنه لا يقوم بهذه الوظيفة لدى المصابين بحساسية تجاه الملح.

في هذا السياق، توضح المهندسة الوراثية شيبنام أونلو إيشلر من "معهد لندن التجديدي": "قد تكون الهرمونات الستيرويدية الجنسية مهمة لتنظيم عمل القلب والأوعية الدموية، لكن تكشف الأبحاث الجديدة أن الكروموسومات الجنسية قد تؤثر عليها أيضاً. تؤدي زيادة المقاومة الوعائية بسبب حساسية الملح إلى اختلال الخلايا البطانية، وهو عامل يؤثر على النساء أكثر من الرجال على ما يبدو".

عندما ترتخي الأوعية الدموية وتتوسّع، ينخفض ضغط الدم، لكنه يرتفع في المقابل إذا لم ترتخِ الأوعية. يقول بيلين دو شانتيميل إن الأوعية الدموية لا ترتخي لدى عدد كبير من النساء، وهذا ما يجعل المرأة أكثر عرضة لتغيّر ضغط الدم بسبب حساسية الملح.

تأثير الهرمونات على ضغط الدم

لطالما كان دور الأستروجين في السيطرة على ضغط الدم محط جدل. لكن تكشف المراجعة الجديدة أن ضغط الدم المرتبط بحساسية الملح يرتفع بعد انقطاع الطمث عندما تتراجع مستويات الأستروجين.

تعليقاً على السبب، تقول الدكتورة ميغان ويليامز، طبيبة باطنية ومديرة قسم صحة المرأة في وكالة "هاربور هيلث": "يرتفع ضغط الدم المرتبط بحساسية الملح بعد انقطاع الطمث، ما يعني أن الهرمونات الجنسية النسائية (مثل الإستراديول) قد تحمي من تغيّر الضغط المرتبط بحساسية الملح، بدل أن تجعل المرأة أكثر حساسية تجاه الملح".

لكن قد لا يكون الأستروجين الهرمون المؤثر الوحيد في هذا المجال. يتكلم بيلين دو شانتيميل عن دور هرمون آخر يؤثر على ضغط الدم المرتبط بحساسية الملح: "تشير البيانات في دراساتنا والمراجع العلمية الأخرى إلى عجز المرأة عن تخفيض إنتاج هرمون الألدوستيرون الذي يحبس الملح ويتحكّم أيضاً بقدرة الأوعية الدموية على الارتخاء. يبدو أن أي مستويات شائبة من الألدوستيرون رداً على استهلاك الملح تُخفّض قدرة الأوعية الدموية على الارتخاء".

تضيف ويليامز: "يصعب تقديم أي توصيات للنساء المصابات بحساسية الملح انطلاقاً من هذه المراجعة الجديدة وحدها، لأنها تكشف في المقام الأول أن المرأة تكون أكثر حساسية تجاه الملح، وتطرح فرضيات عن السبب من دون أن تقدّم توصيات عن طريقة التعامل مع المشكلة. لكن من الأفضل عموماً أن تتنبه المرأة المصابة بحساسية الملح إلى كمية الصوديوم التي تستهلكها وتحاول تخفيفها إذا أمكن".

تنطبق هذه النصيحة على جميع الناس ولا تقتصر على المرأة المصابة بحساسية الملح. في النهاية، يستنتج بيلين دو شانتيميل: "يجب أن يلتزم الناس بتوصيات جمعية القلب الأميركية في ما يخص استهلاك الملح. في الوقت الراهن، يبلغ متوسط استهلاك الصوديوم يومياً 3.4 غرامات، مع أن جمعية القلب الأميركية توصي بـ2.3، بينما تقتصر الكمية المثالية على غرام ونصف".