شربل داغر

أهناك حاجة إلى الشِّعر؟

20 آذار 2023

02 : 00

من السهل القول في عيد الشعر: القصائد كثيرة، والشعر قليل.

من السهل القول: كُتبُ الشعر تقتات من جِلدها.

الأنسب، والأصعب، هو أن نتحقق من أن الإقبال عربياً على كتابة الشعر لا يزال يجذب كثيرات وكثيرين. وهو ما لا نلقاه بهذا التدافع والحماس الخارجي في غير هذه البلاد. أيكون بريق الشعر القديم، منذ امرئ القيس "الشريد"، يُغري ويغوي مَن يجدون في كتابة القصيدة متنفساً لهم، ومن دون كلفة في غالب الأحيان، ولا تكليف؟

مع ذلك يتوجب إثارة السؤال: ألا تزال هناك حاجة إلى الشعر؟ وهو سؤال يتوجه إلى الجمهور، إلى المجتمع، إلى مؤسسات التعليم والتربية، إلى أجهزة النشر والإعلام وغيرها. يتوجه لمعرفة مقدار إقبالهم على الاستماع، على القراءة، على النشر والتوزيع، على العرض والشرح وغيرها. وهي أسئلة ذات أجوبة سلبية في الغالب.

لماذا يحدث هذا ؟ أيقتصر الأمر على إهمال، أو إغفال، ما يمكن حله بالتنشيط والدعم ؟

ألا يكون انحسار رقعة الشعر متأتياً من تناقص الحاجة إليه ؟ للجواب على هذا السؤال (الذي لا يتم طرحه في الغالب)، يُستحسن القول إن مكانة الشعر السابقة تأتت من مردود الثقافة العالمة، فيما كان يُنظر إلى غير الشعر من الإبداعات الكلامية والصنعية على أنها دونية، من عالم "الصُّناع".

هذه الحال تبدلتْ، بدليل أن التعليم بات أكثر انتشاراً، والإقبال على أنواع الكتابة أكثر تعدداً وجدة. هذا ما يمثله السطوع الباهر للسرد، ولا سيما للرواية، في العالم، إذ بات يجمع، في بنائه واستهدافاته، أعرض الفئات المتعلمة، في شروطِ تلقٍ ميسرة أكثر من القصيدة (في السيارة، في القطار، في كراسي الاستلقاء، وجنب السرير قبل النوم...). وهو ما سهلته ونشرته أكثر، ما احتاج إليه الفيلم والمسلسل التلفزيوني من أنواع سردية.

لهذا لا يمكن القول إن الرواية حلت محل القصيدة. فما قدمته الرواية مختلف، ويتناسب أكثر مع الزمن الاجتماعي والتاريخي، ومع الاعتيادات والسلوكات في المدرسة والبيت والمقهى.

هذا ما يمكن قوله في الفنون عموماً، في الأغنية واللوحة وغيرهما.

إذا كانت الرواية، من جهة، والأغنية، والفيلم واللوحة، من جهة ثانية، جذبت إليها أوسع الحضور وعالي الاستثمارات، فإن القصيدة تراجعت في عصر "تفاقم الصورة"، وعلى حساب الكلمة.

ما زاد من تناقص الحاجة إلى الشعر، ومن الإفادة (بأكثر من معنى) منه، أن غيره من الفنون "استوعب" بعض مقومات الجمالية الشعرية فيه.

أتى هذا كله - لو طلبنا جردة حساب سريعة، وربما مبتسرة - على حساب الشعر. كيف ذلك؟

ما يمتاز به الشعر عن غيره من خيال واستعارات ومجازات، ومن تعابير حرة ومبتكرة، ومن امتيازات وجوازات في بناء الشكل وغيرها بتنا نجده، بهذا المقدار أو ذاك، في "عدة" الرواية واللوحة والفيلم وغيرها.

لهذا يمكن إثارة السؤال : أهناك حاجة إلى الشعر؟


MISS 3