د. نمر فريحة

كفاكم وضع طرابيش!

20 آذار 2023

02 : 00

إنّ طبخة المناهج الحالية في لبنان معقدة، ولن تنضج إلا بعد أن يتقي المؤثرون على وضعها، الله. كم مسودة قدمت للرأي العام، ليس بهدف الإطلاع، بل بهدف القول إننا نعمل! يعطيكم العافية. فالإطار الوطني أنجز بعد سنوات مع أخطاء مفاهيمية وتزوير تربوي، في الوقت الذي لا يحتاج لأكثر من أشهر معدودة كما في سائر دول العالم.

لكن يبدو أنّ الاهتمام في الوقت الحالي منصب على توزيع الأوسمة، والإشادة بأعمال وخطط وهمية وضعت لتطبيق مناهج 97، ويسوّق لها بعض المدعين، وهذا تضليل للرأي العام، واستغباء لأهل التربية. لقد وضعوا طربوشاً على هذه المناهج بأنها اعتمدت النظرية البنائية. ومن يقرأ نصوص المناهج في 832 صفحة، لا يجد كلمة المقاربة البنائية مذكورة ولو مرة واحدة. كما لا يجد اسم أحد مؤسسي هذه الفلسفة التربوية كـ»فيجوتسكي» و»بندورا» و»برونو»، أو الذين طوروها مثل «هينز فورستر» و»بول واتزلويك « وغيرهم. فمن أين أتى هؤلاء بالبنائية ليلصقوها بمناهج المادة الدراسية المفككة والـ» Out-dated؟».

وآخرون يضعون طرابيش فلسفية على هذه المناهج من خلال إنزال رؤية وفلسفات عليها، لكن من يحللها لا يجد علاقة لهذه الفلسفات بالمناهج وببنيتها. يفعلون ذلك ظناً منهم أنهم يكتبون لجهلة، ثم يختمون مقالاتهم بقصيدة مديح لمن أشرف عليها. فهذا لا يليق بمستوى من يسوق هكذا أضاليل، وأخشى أن تتحول ظاهرة الادعاءات إلى جزء من ثقافة التربية، تماماً كما باتت جزءاً من الثقافة السياسية.

إنّ مخرجات هذه المناهج أظهرت ضعف مستوى طلابنا الذين شاركوا منذ عام 2003 في الاختبارات العالمية، وكانت المراتب التي احتلوها مقارنة مع زملائهم في العالم هي الأخيرة، ولم يصلوا مرة واحدة إلى حدود المعدل العام. هذه مخرجات مناهج الـ97، وهي مؤشر أساسي على ضعفها في تزويد المتعلم بالمعارف والمهارات الفكرية المتوقعة. لكن المسؤولين التربويين عندنا يتجاهلون هذا الواقع بدل أن يواجهوه ويعملوا على إصلاحه، وهمهم الإشادة بمناهج فاشلة.

وهذا يدفعنا للحديث عن الطربوش الثالث، وهو خطة وهمية وضعها من أشرف على مناهج 97 لتطبيقها بطريقة ناجحة ومبهرة! والحقيقة أنّ هذه الخطة لم تكن موجودة ما بين 1997 و2002 (تاريخ تركي لرئاسة المركز)، لكنه ما زال يقدمها في المؤتمرات واللقاءات، وملقياً اللوم على من لم يطبقها! وانطلى الأمر على كثيرين، فصدقوا الأمر وراحوا يروجونه وكأنّه حقيقة. لكن هذا كلام لا أساس له من الصحة لأنّ الخطة وضعها هذا المسؤول بعد مغادرته المركز التربوي بسنوات ليبرر ضعف وفشل المناهج التي أشرف عليها.

ولتوضيح الواقع للمهتمين بالشأن التربوي وبالتاريخ التربوي المعاصر، وتجنباً لاتهامي بالتجني، فإنّ مناهج 97 صدرت مبتورة لأنّها اقتصرت على عنصرين من أصل أربعة، وهما الأهداف والمحتوى، ولم يُنجز نظام تقويم أداء المتعلمين ولا استراتيجيات التدريس، فقمت بوضعهما بين عامي 1999 و2001. فمن يضع خطة تطبيق عمل ما زال نصفه غير منجز؟ هذه فبركة يجب أن تدفع بصاحبها للخجل وليس للإدعاء الوهمي.

إن المناهج يا سادة، يا مدّعي التخصص فيها، ليست وسيلة لتعويم فلان والإشادة بفليتان. إنّها تخطيط رصين مبني على المعرفة والمهارات المناسبة، وتحاكي مستقبل أبنائنا لا ماضيهم، لكنكم في الفترة الأخيرة حولتموها إلى منصة لإظهار بطولات دونكيشوتية، وهذا دليل على ضيق أفق المعرفة التربوية لديكم. فكفاكم تهريجاً! التربية الصحيحة والمناهج السليمة تنشّئ أجيالاً ترفض الادعاء والتهريج، ولها رهبتها ووزنها وتأثيرها على صعيد الوطن لأنها تبني أجياله، وهي ليست عضوية لجان ممولة من البنك الدولي، ومقابلات إعلامية، وادعاءات غير صحيحة.

ونصيحتي المتواضعة لمدّعي التخصص في المناهج ويكتبون عنها من وقت لآخر: تواضعوا يا من لم تحسنوا إنجاز مناهج في العام 1997 تليق بجيل القرن الحادي والعشرين! تواضعوا لأنه ليس في سجلكم الدراسي الجامعي ما يشير إلى أنكم قد أخذتم مقرراً واحداً في المناهج، أو أنّ شهادات الدكتوراه التي تحملونها هي في التربية! فأنتم دخلاء على هذا الحقل الذي تم «دحشكم» فيه كمثل شخص غير متخصص في الهندسة، لكنه يقوم ببناء بناية، فكيف ستكون؟ كفاكم استهزاءً بنا كمتابعبن لما يحدث في التربية.

إننا ننتظر مناهج جديدة لأجل تلامذة لبنان الذين سيتخرجون من المدرسة عام 2037، ومن سيفعل ذلك لا ينظر دائماً إلى المرآة الخلفية لأن تفكيره سيبقى أسير الماضوية التي لن تؤدي إلى انتاج مناهج حديثة تليق بجيل طلابنا وحاجاتهم العلمية والتكنولوجية. ومن يلتصق بالماضوية يفضل إعادة انتاج الماضي بحيثياته وعناصره، وهذا ما يهدف إليه من لهم تأثير اليوم على وضع المناهج من خلال إشاداتهم المستمرة بمناهج 97 الضعيفة، لذلك نخشى ألا تكون للحداثة مكان في المناهج الجديدة.

(*) الرئيس السابق للمركز التربوي


MISS 3