جان كلود سعادة

مدرسة تشاوشيسكو

22 آذار 2023

02 : 00

تُظهر الأحداث وسنوات الوقت الضائع، أنّ المنظومة الحاكمة في لبنان تنتمي إلى مدرسة في التسلّط والصَنَميّة إنتهت مع القرن العشرين ثم مع سقوط آخر الديكتاتوريات، وهي بالتالي من النوع الذي لا يمكن إصلاحه ولا إقناعه بالتنحّي ولا بالتقاعد تحت شمس الكاريبي أو في بلاد «الأوفشور» والحسابات المُرقّمة. هذا النوع من الديكتاتوريات المُعلنة والمقنّعة مصيره واحد ومعروف من رموز الحرب العالميّة الثانية وصولاً إلى الرفيق نيكولاي وزوجته الدكتورة.

نورِد ذلك فقط للتأكيد لدُعاة الإصلاح التدريجي والنفَس الطويل والتغيير من داخل النظام وكذلك إلى جميع الذين يعيشون في عالمٍ موازٍ وحسب توقيت كوكب زُحل، أن لا خلاص لهذا البلد ولا حاضر ولا مستقبل لشعبه إلّا عبر المرور الإجباري بمحاسبة هذه المنظومة على جميع جرائمها المتمادية وإزاحتها بالكامل. فما شهدناه من إنهيار متعمّد وسرقة متمادية للمال العام والخاص لا يمكن وصفه بالكلمات ولا تصوّر مدى وقاحته وتأثيره على حياة اللبنانيين.

من هنا ندعو جميع المخلصين لهذا الوطن إلى تنظيفه من العصابة وأوساخها وإلى نبذ اللصوص والسماسرة والمجانين لكي نتمكّن من فتح صفحة جديدة وبناء دولة حديثة وعادلة وقادرة بجميع المعايير مع التشديد على بناء اقتصاد مُنتج ومُنافس وقادر على فرض دوره في معادلات المنطقة وأسواقها وهنا لا تنقصنا الأفكار ولا الطاقات.

العائق الأساسي أمام إصلاح الوضع النقدي والاقتصادي وبالتالي السياسي والإجتماعي أيضاً، هو استمرار هذه المنظومة في مقاومة التغيير ومحاربة المحاسبة واستمرارها في تفخيخ القوانين ورفض التدقيق الجنائي واستعدادها للتضحية بالبلد والناس في سبيل حماية مصالحها. والأنكى في هذا المجال أن هذه العصابة نفسها قد تَعمد أحياناً إلى ادّعاء التغيير والتجدّد لكي تمدد لنفسها وتتوالد من جديد بنفس الفساد الأسطوري لكن بأشكال جديدة.

فشل وفساد المنظومة ليس مجرّد تهمة ولا هو بحاجة إلى خُبراء ومحاكم وقضاة وأحكام مُبرمة لتأكيده؛ بل حقيقة ماثلة أمامنا نعيشها كل يوم وتشهد عليها أوضاع البلد ولسان حال ملايين اللبنانيين الذين هاجروا أو يسعون كل يوم للهروب من هذا المُعتقل. وهنا بعض الأمثلة للتذكير:

1- بعد ثلاثة عقود من انتهاء الحرب لا يزال لبنان من دون كهرباء ولا نقل عام ولا ضمان صحّي موحّد ولا تعليم رسمي يُعتمد عليه ولا طرقات ولا إقتصاد منتج ولا رؤية للمستقبل ولا قانون ولا من يقوننون.

2- مئات مليارات الدولارات من التحويلات والودائع والقروض والمساعدات الخارجية ومداخيل الدولة هُدرت ونُهبت من قبل طبقة فاسدة ومُفسدة لنصل الى هذه الحفرة الفريدة، فهذه المبالغ كانت قادرة على بناء وتطوير وإعادة إعمار لبنان عدّة مرّات متتالية وجعله قادراً على منافسة سنغافورة ودبي وغيرهما من الأمثلة الناجحة.

3- نظام مافياوي- طائفي يُقدّم الأغبياء والأدعياء بمجرّد إنصياعهم الأعمى لمجموعة الأصنام التي تمتهن إهانة المواطنين وسرقتهم وتهجيرهم.

لذلك نرى أنّه من العدل والمنطق أن يكون مصير أعمدة المنظومة وحجارتها هو نفس مصير البلد ومصير الودائع ومصير الشعب البائس والباحث عن طريق للخلاص، فهم يستحقون الخراب واليأس والإفلاس والحجز كما فعلوا بجنى عمر الناس وبأحلامها. فإذا كان الشعب حسب مقدمة الدستور اللبناني هو «مصدر السلطات وصاحب السيادة» فيحق للشعب إذاً إستعادة السلطة والسيادة من مجمل هذه التركيبة الفاشلة والفاسدة والتي تأخد البلد إلى الدمار والوطن إلى الزوال. على الشعب والمواطنين العاديين محاسبة هذه المنظومة قبل فوات الأوان. وما الجدل السياسي والضجّة الإعلاميّة سوى طريقة لتخدير الناس والإستمرار في إضاعة الوقت والفُرص، فلا الإنتخابات النيابية غيّرت شيئاً ولا إنتخاب رئيس وحكومة جديدة سوف يأتي بحلّ سحري ولا إنتخابات بلديّة مؤجّلة تعني شيئاً في وسط هذا الخراب. فنحن شعب عليه أن يُغيّر تفكيره أولاً وحكّامه ثانياً وطريقة عيشه ثالثاً لكي يبدأ بالخروج من الحفرة.

أمّا تلامذة تشاوشيسكو فيبدو أنهم مُصرّون على اتّباع طريقته في الرحيل أيضاً.

(*) خبير متقاعد في التواصل الاستراتيجي


MISS 3