نوال نصر

التعامل بحذر "بيئياً" بين 8 و14

فكّروا مرتين!

15 تموز 2019

15 : 02

"مشّ هيّن تكون لبناني!" لا في الشتاء ولا في الصيف، لا في الجبال حيث يفترض أن يكون الهواء عليلاً ولا على الساحل حيث يفترض أن يكون البحر نظيفاً. وعلى سيرة البحر وتموز والحرّ الشديد والرطوبة العالية والعرق المتصبب من الجباه فلنبحث عن شاطئ نظيف، في لبنان الجميل، نُلقي على رماله بعض تعبنا وهواجسنا وقلقنا. فأين نسبح هذا الصيف؟ وهل لبنان آمن لمن تستحيل عليه السباحة في جزر المالديف في المحيط الهندي أو جزر الكناري الإسبانية أو على شاطئ فياريجيو الإيطالي؟



قبل أن "تغطسوا" عدوا الى عشرة. واقصدوا 14 نقطة في لبنان، من أقصاه الى أقصاه، وابتعدوا عن 8 بُعد السماء عن الأرض. وإذا رغبتم بالمخاطرة فهناك 4 مواقع حذرة ابقوا فيها متيقظين.

فلنبدأ من بيروت، من قلب بيروت، من شاطئ الرملة البيضاء بالتحديد. فهل نترك "الفقراء" يشلحون أجسادهم على هذا الشاطئ؟

شاطئ الرملة البيضاء صُنّف، في دراسة، ملوثاً جداً ونصيحة الدولة بأمها وأبيها الى ناسها "لا تنزلوا البتة الى هذا الشاطئ". رواد السباحة لم يُصدقوا ونزلوا معتبرين أن الدولة تريد "تطفيشهم". من نصدق؟ الدراسات أم إحساس الناس؟ لكم، في دولةٍ مثل لبنان، الخيار.

لا شيء بالقوة. المواطنون الذين يعرفون أن الشاطئ ملوث ويصرون على السباحة فيه "ذنبن ع جنبن" لكن ماذا عن المجارير التي تصبّ في البحر؟ وماذا عن المطامر وعصاراتها؟ وماذا عن كتل النفايات التي تتساقط في البحر؟

جوابُ وزير البيئة لا يشفي: "نستخدم معدات في كوستابرافا تسحب العصارة وتنظفها بنسبة مئة في المئة. وأنا، لمن لم يرني، غسلت وجهي بهذه العصارة بعد سحب التلوث منها، بالتكنولوجيا المستخدمة.

في تموز "بتغلي الميّ في الكوز". فهل أجمل من البحر؟ لكن كلفة "مشوار البحر"، مثلما تعرفون، موجعة. فلنبحث إذا بين "شواطئ الفقراء". 8 شواطئ خطيرة جداً هي: الرملة البيضاء، المنارة، عين المريسة، برج حمود، ضبية، كل شواطئ ساحل المتن الشمالي، سلعاتا، شكا وطرابلس. أما الشواطئ النظيفة فتتضمن الشواطئ الواقعة بين جونية وأنفة، مرورا بشواطئ مدينة جبيل، امتداداً الى كل شاطئ البترون وعددها 14 شاطئاً.

يفترض الاختيار أن يكون، بحسب دراسة أعدها المجلس الوطني للبحوث العلمية على طول الشاطئ اللبناني من العبدة شمالاً حتى الناقورة جنوباً، بين 8 و14. لكن من يحمي الشاطئ أو يفترض أن يحمي الشاطئ؟ يصرّ وزير البيئة فادي جريصاتي على إلصاق تهمة تلويث الشاطئ بالمواطنين العاديين بنسبةٍ تعادل مسؤولية الدولة اللبنانية بتلويث الشاطئ. إذا لم يكن أكثر.


أكثر من 300 ألف لبناني سافروا العام الماضي للتمتع بالسباحة على شطآن آمنة وفي مياه نظيفة. فهل سيختارون مع بداية هذا الموسم لبنان ويغطسون في بحره؟ لولا ابتسامة وزير السياحة اللبنانية أواديس كيدانيان لبدت الأجواء أكثر كآبة وهو يريد شيئاً واحداً من الصحافة: تحدثوا عن 14 كما تتحدثون عن 8 حفاظاً على السياحة في لبنان.



ماذا عن الأسماك؟
نأكل أو لا نأكل؟


الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية معين حمزة طمأن الى سلامة "الأسماك الطازجة" التي تخرج من بحرنا. والمدير العام لوزارة الصحة في لبنان وليد عمار إلتقى معه في الطمأنة مؤكداً "أن الثروة السمكية في لبنان بألف خير" لافتاً الى "أن برنامج الترسب الوبائي في وزارة الصحة يهتم بالتسمم الغذائي وكُلّ المعلومات التي جمعها تُبيّن عدم حدوث أي حالة تلوث بسبب السمك اللبناني. وزير الزراعة حسن اللقيس شدّ بدوره على أيدي كل من يطمئنون حول سلامة السمك ويقول "نحمد الله أن الثروة السمكية بخير".

نحمدُ الله بالفعل على أننا ما زلنا في بلدٍ مثل لبنان، ينتشر فيه كثير من الآفات، بخير.

النتائج التي أطلقت حول الشواطئ اللبنانية معرضة للتغيّر في استمرار "لأن البحر يُنظف نفسه" لكن ماذا لو تغيّرت سلباً؟ ماذا عن مسؤولية كلّ الملوثين؟

وزير البيئة حدد ثلاثة أنواع من المسؤوليات: "أولا، مسؤولية المواطن الذي يرمي الأوساخ في البحر والنهر والبرّ. ثانياً، مسؤولية البلديات التي بدل أن تتحمل مسؤولية المراقبة نراها ترمي هي بنفسها في الوديان، والقانون رقم 80 سمح لي بمقاضاة البلديات. ثالثاً، مسؤولية المصانع في رمي ملوثاتها عشوائياً.

معين حمزة، ممثل لبنان في اللجنة العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتكنولوجيا، الحائز على وسام جوقة الشرف من رتبة فارس من رئيس الجمهورية الفرنسية، الهادئ الطباع، الذي يفقه من زمانٍ وزمان إعداد الأوراق العلمية يطمئن: "بحرُ لبنان الذي يعاني من ضغوطات سكانية وصناعية وتجارية لديه القدرة على استعادة نقائه وسلامته من الشمال الى الجنوب، بسرعة، إذا ما التزمت الإدارة اللبنانية والبلديات في تنفيذ المشاريع الموضوعة لوقف تسرب المياه الآسنة والصناعية إليه، وضمان تطبيق المواصفات الفنية العالمية في مطامر النفايات الصلبة. فالشاطئ اللبناني يقاوم والمناطق التي يخف فيها التلوث، ولو تدريجياً، تستعيد حيويتها بسرعة، والتفاؤل بالقدرة على الخروج من المأزق ممكن وبمتناول اليدّ.



تصنيف الشاطئ اللبناني بحسب دراسة أعدّها المجلس الوطني للبحوث العلمية




نحاول أن نصدق. نسمع وزير البيئة يتحدث عن اللبنانيين الذي وسخوا الشاطئ بعد أن عمل هو و8000 شخص على تنظيفها. نسمعه يتحدث عن أشخاص وقحين يلوثون الشاطئ "هناك مواطن لوث لا رئيس الجمهورية فعل هذا ولا رئيس الحكومة، وبالتالي على المواطن تغيير عاداته الوسخة. فليعمل ما عليه ونحن نعمل ما علينا".

حلمُ اللبنانيين منذ يستفيقون في هذا البلد أن تعمل الدولة ما عليها. أن تحلّ مشكلة المسالخ المنتشرة على الساحل البحري، وأن تحلّ بالفعل لا بالأقوال مشكلة المطامر. ثمة وزراء نظيفون؟ لا أحد يشك بهذا، وهو ما دعا إليه وزير البيئة، لكن ثمة مسؤولية على الدولة تضاهي مسؤوليات كل الآخرين.

MISS 3