طوني فرنسيس

لم يجد لدى السلطات إلّا "كرم الضيافة"

25 آذار 2023

02 : 00

جاء وفد الصندوق الدولي إلى لبنان في إطار مشاوراته المنتظمة، السنوية في العادة، بمقتضى اتفاقية تأسيس الصندوق. أجرى مباحثات مع من بات يعرفهم جيداً، وخرج مرة أخرى بالانطباعات السيئة نفسها.

مرّ عام تقريباً على توقيع الاتفاق الإطار مع الصندوق، ولم يقم الجانب اللبناني بأي شيء من الإصلاحات والوعود الموعودة، وفي البيان الذي وزعه الصندوق من مقره في واشنطن تحذير صريح: «إن لبنان حالياً على مفترق دقيق حيث بقي على مدى أكثر من ثلاث سنوات يواجه أزمة منقطعة النظير، وأدى التخلخل الاقتصادي الحاد والانهيار البالغ في قيمة الليرة اللبنانية والتضخم الثلاثي الرقم إلى التأثير بصورة مذهلة على حياة الناس وأرزاقهم. فقد ارتفعت مستويات البطالة والهجرة ارتفاعاً حاداً، والفقر يسجّل معدلات قياسية، وشهدت امدادات الخدمات الأساسية كالكهرباء والصحة والتعليم العام اضطراباً بالغاً، كما تعرّضت برامج الدعم الإجتماعي الأساسية والاستثمارات العامة للإنهيار».

لم يقل بيان الصندوق إنّه التقى سياسيين «منقطعي النظير» ولا إنّ وفده استمع إلى تحليل اقتصادي «مذهل» من سماحة الأمين العام، لكنه أكد انطباعاته السابقة: لا شيء تغير في لبنان السائر إلى الأسوأ بقيادة حكامه من متعمّدي الكساد.

كرر وفد الصندوق أنّه «من دون الإصلاحات السريعة سيغرق لبنان في أزمة لا نهاية لها»، وبدا هذه المرة أنّه لم يعد يصدّق وعود الحكومة ومجلس النواب فحدد «مساراً بديلاً يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار والنمو» عبر «حزمة اصلاحات شاملة» تبدو سلطة الأمر الواقع اللبنانية بعيدة عنها سنوات ضوئية. الحزمة تتضمن خمسة بنود لا تناسب حكم المافيا والفساد (يمكن مراجعة بيان الصندوق)، بدءاً بتنفيذ استراتيجية مالية متوسطة الأجل لاستعادة القدرة على إبقاء الدين في حدود مستدامة، خلق الحيز اللازم لزيادة الإنفاق الإجتماعي والانمائي.

ثمّ إعادة هيكلة النظام المالي على نحو موثوق لاستعادة قدرته على البقاء ودعم التعافي الاقتصادي (وحماية صغار المودعين)... يليه بند ينصّ على توحيد أسعار الصرف لإعادة بناء المصداقية في الاقتصاد. ويقضي البند الأخير بتقوية إطار الإدارة المالية لضمان سلامة الإشراف على الموارد العامة وتعزيز الانضباط المالي وشفافية أعداد الموازنة...

ويشير الصندوق إلى ضرورة إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة (معالجة المشكلات المزمنة في قطاع الكهرباء)... وتعزيز أطر الحكومة ومكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الارهاب، وتحسين المساءلة على مختلف مستويات القطاع العام.

بديهي عندما يطالب صندوق النقد بهذه «البديهيات» الاستنتاج أنّها غير قائمة في جدول اهتمامات المنظومة ولا متوفرة ولا سعت إليها، وهذا هو سبب الأزمات المتمادية، لكن وفد الصندوق وجد شيئاً يستحق الاشادة، فختم بيانه شاكراً «السلطات اللبنانية وجميع الأطراف... على كرم الضيافة»!!!


MISS 3