مايز عبيد

بين ساعة شتوية وصيفية: ميقاتي زعيم - "مش زعيم"

28 آذار 2023

02 : 00

وزير البيئة بعد خروجه من مجلس الوزراء (فضل عيتاني)

يمكن تلخيص ردود الفعل الشمالية بعد جلسة مجلس الوزراء أمس بالآتي: «الرئيس نجيب ميقاتي لم يكن يوماً زعيماً حتّى على مدينته، ومقارنته برفيق الحريري غير ممكنة وفيها ظلمٌ كبير، ولا حتّى بسعد الحريري نفسه، لأنّ ميقاتي لم يتمكّن من أن يكون زعيماً حتّى على طرابلس، وعندما كان يريد فعل ذلك كان الحريري وغيره يشاركونه الزعامة ويتفوّقون عليه أيضاً».

أخذ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري قراره، وأبقى على التوقيت الشتوي بحجّة أنّ ذلك سيعين الصائمين على صيامهم، كما صرّح بعد جلسة مجلس الوزراء التي عاد فيها عن قراره، مع أنّ العالمين بالأمر يدركون أنّ حسابات الصيام لا تقاس بساعة بالزائد أم بالناقص. وخلافاً لما أدلى به، فإنّه أراد من هذا القرار المنسّق مع بري بالتأكيد، استثماراً شعبياً في الشارع الإسلامي المنقلب على الطبقة السياسية برمّتها، وعلى الرئيسين بري وميقاتي ولا يبدي حماسة كبيرة لمرشح هذا الفريق أي رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، الذي يصوّر اليوم أنّه مرشح المسلمين في وجه المسيحيين... وفي كلّ الأحوال، فإنّ فيديو اجتماع الرئيسين لم يكن تسريباً بريئاً، كما يشير مطّلعون.

يبدو أنّ القرار أراد منه ميقاتي استعادة شعبية سنّية فقدها بالكامل في مدينته طرابلس مع أنّه يتربّع على عرش أعلى سلطة في الدولة تقوم بمهام الرئاسة الأولى نتيجة الشغور الرئاسي. ولا شكّ في أنّ كلامه الأخير عن عدم نيته العودة إلى السراي ولا يسعى لها، ليس ببعيد عن هذا الجو بعدما لمس حجم التململ الشعبي من أداء حكومته وقد قفز الدولار في عهدها الى ما فوق المئة ألف ليرة. ولرئيس المجلس نبيه بري غاية في نفسه أيضاً من تعويم ميقاتي شعبياً، فالإثنان من الداعمين الأساسيين لوصول فرنجية للرئاسة، وربما يحلمان معاً بترويكا (فرنجية، بري، ميقاتي)، حيث يوحي الأخير لبرّي بأنّه يضمن أصوات نواب سنّة في جعبته سيعطيهم كلمة السرّ عندما يحين أمرها. إذاً، القرار كان سياسياً بامتياز وأُلبس لبوس الخوف على الصائمين، فيظهر ميقاتي حريصاً على الطائفة وأهلها في وجه المسيحيين والنائب جبران باسيل بشكل أساسي «المكروه» إلى أبعد الحدود في طرابلس.

وتجلت محاولة ميقاتي لشدّ العصب السنّي تجاهه كرئيس للحكومة، عندما لوّح بأن لا تراجع أمام الضغط المسيحي في مواجهة القرار عبر قوله «ما اتّخذ قد اتّخذ». وعلى مدى أيام من الضخّ الطائفي والحديث عن توقيت طرابلس وساعتها نجح ميقاتي وماكينته الإعلامية والحزبية في المهمة، حتّى أنّ الشارع الذي لم يتفاعل مع رئيس «العزم» عندما كُلّف بتشكيل الحكومة ولا عندما نجح بتشكيلها ولا حتى عندما قرر عدم خوض الانتخابات النيابية من طرابلس أمام جمع قليل من تياره، تفاعل مع مسألة التوقيت واعتبره حقّاً مسلوباً ويجب استعادته.

بدا ميقاتي لأيام قليلة، منقذ هذا الشارع من «الغول» الذي يريد أن يبتلع السنّة وحقوقها، ونسي الشارع كلّ الوعود التي لم تنفّذ من نور الفيحاء إلى عبارة «ما حدا رح يجوع بطرابلس» وكل أزمات البلد والدولار والجوع والفقر، ولم تعد هناك إلا «أزمة التوقيت»، التي عاد الرئيس ميقاتي نفسه وتراجع عن قراره بشأنها معلناً بعد جلسة مجلس الوزراء بأنّ التوقيت الصيفي سيعتمد اعتباراً من ليل الأربعاء – الخميس المقبل.

لم يصمد ميقاتي على قراره إلا لأيّام. كذلك الشارع، لم يصمد على مزاجه أيضاً بتجييره الزعامة المستجدّة لميقاتي، فعاد وسحبها منه سريعاً، لا بل توجّه إليه بكمّية من الإنتقادات التي بلغت حدّ وصفه بـ «الضعيف» و»المنبطح»، حتى أنّ البعض لم يوفّر في معرض انتقاداته أيضاً رجال الدين. قلّة قليلة في طرابلس وجدت تفسيراً لقرار ميقاتي، وعلى رأسها المحازبون والقريبون، وقد رأوا أنّه أتى للحدّ من الخطاب الطائفي المستعر في البلد.

تشير أوساط طرابلسية أيّدت قرار ميقاتي ولم تؤيد تراجعه عنه إلى أنّ «طرابلس لم تكن يوماً تنادي بالطائفية وهي مع منطق العيش المشترك لكنها أرادت مساندة رئيس الحكومة في قرار اتّخذه لمدّة شهر من الزمن ولم تجد فيه ما يعكّر صفو العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين كما حاول الآخرون تصويره».

ويقول أحد العارفين في معرض تعليقه على الواقع: «مؤسف ما شهدناه من شحنٍ طائفي في الأيام الماضية، لا يشبه طرابلس ولا يشبه لبنان... مع الأسف ما زال الشارع السنّي في لبنان وفي الشمال بالتحديد يتعاطى مع زعمائه على أساس خطابهم لا على قاعدة الإنجازات، بالرغم من كل ما تشهده المنطقة من محن وظلم وغياب للتنمية والمشاريع وكل أشكال الغبن اللاحق... زعماء الطوائف شرّبوا الناس حليب الطائفية ولم يعد من السهل نزعه من صدورهم».