إعلان مبادرة تشريعيّة في مواجهة تعطيل القضاء والإفلات من العقاب

16 : 42

تصوير فضل عيتاني

عقد "ائتلاف استقلال القضاء" وعددٌ من النّواب التغييريّين، مؤتمراً صحافيّاً في مقرّ "المفكرة القانونيّة" في بدارو، اليوم الثّلثاء، أعلنوا في خلاله عن "مبادرة تشريعيّة في مواجهة تعطيل القضاء وممارسات الإفلات المعمّم من العقاب"، تقومُ على تقديم 9 نوّاب هم: إبراهيم منيمنة وأسامة سعد وإلياس جرادة وبولا يعقوبيان وحليمة القعقور وسينتيا زرازير وفراس حمدان ومارك ضوّ وميشال دويهي إقتراحَي قانون أعدَّهما "ائتلاف استقلال القضاء" لإعادة الانتظام العام للدولة.


تصوير فضل عيتاني


صاغية

وأوضح "الائتلاف" في بيانٍ تلاه المدير التنفيذيّ للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية "أنّ الاقتراحَيْن هُما بمثابة ردّ على مُمارساتٍ إنتهجها عددٌ من القوى السياسيّة والنّافذة لتعطيل أي إدّعاء يقدّم ضدّ أي من أعيانها بما يُلغي تماما مبدأ المحاسبة وحقوق الضحايا بالتقاضي".


وأوضح البيان أنّ "هذا الأمر تم من خلال استغلال نصوص في قانون أصول المحاكمات المدنيّة تسمحُ لأي مدّعى عليه بتعليق الملاحقة الجزائيّة المقامة ضدّه بمجرّد تقديمه دعوى بردّ القاضي الناظر في قضيته أو مخاصمة الدولة على خلفيّة أعماله أياً كانت جديّة هذه الدعوى. وتبقى الملاحقة معلقّة حتّى بتّ دعوى الردّ أو المخاصمة من المحكمة المختصة".


تصوير فضل عيتاني


وتابع: "في البدء، استخدم نافّذون مُدّعى عليهم هذه النّصوص في قضيّة المرفأ، ما أدّى إلى تعطيل التّحقيقات في إحدى أخطر الجرائم الّتي شهدها لبنان لفترات متقطعة. لكن سرعان ما تم تعميمُها في اتجاه تعطيل التحقيقات في كمّ من التحقيقات الهامة في قضايا المصارف أو قضايا الفساد والإثراء غير المشروع. وإذ عمد هؤلاء إلى تقديم دعوى ردّ تلو الأخرى لضمان أطول تعطيل ممكن، فإنّ المخيّلة السياسية القانونية تفتّقت عن آلية تخوّل المدعى عليهم في هذه الدعاوى تعطيل الملاحقة ضدهم بمجرد استعداء القضاة، ليس لفترة وجيزة أو فترات متقطعة كما حصل في البداية، ولكن بصورة دائمة وإلى أجل غير مسمّى".


أضاف البيان:" أنّ هذا أدّى ليس إلى تعليق التحقيقات في قضية المرفأ أو قضايا المصارف، بل تجميدها، موضحاً أنّ ذلك تمّ من خلال تعطيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز من خلال تعطيل تعيين بدائل عن غالبية أعضائها السابقين الذين بلغوا سن التقاعد. وأشار إلى أنّه إذا كان قانون أصول المحاكمات المدنية يرتّب على تقديم دعوى مخاصمة تعليق الملاحقة حتّى يتسنّى لهذه الهيئة بتّها، فإنّ تعطيل هذه الهيئة يؤدّي إلى تأبيد هذا التّعليق طالما أنّها تبقى عاجزة تماماً عن بتّها. هكذا بكلّ بساطة "يصبح بمقدور أيّ مدّعى عليه أن يعطّل أيّ ملاحقة ضدّه، ومعها حقوق الضّحايا والمجتمع برمته. وعليه، وبدل أن تدفعنا فداحة الجرائم المرتكبة على مدى العقود الماضية (والتي حوّلت المجتمع اللبناني إلى مجتمع من الضحايا) إلى إسقاط الحصانات كافّة، إذ بنا نمنح حصانةً فعليّة لكلّ مدّعى عليه، فلا تسير الملاحقة ضدّه إلا برضاه وموافقته".


تصوير فضل عيتاني


ورأى "الائتلاف" في بيانه "أنّ النتيجة هي عملياً "إلغاء سلطة القضاء بالكامل، ومعها مبدأ فصْل السّلطات في اتّجاه اختزالها بالسلطات السياسيّة، ومعها حقّ اللجوء إلى القضاء ومبدأ المحاسبة والمساءلة وحكم القانون. وبنتيجة إلغاء هذا الحق، تصبح حقوق الإنسان المكرّسة دستورياً وفي المواثيق الدولية والتي يفترض أن تكون القيمة العليا لأيّ مجتمع ولأيّ دولة، كلها مجرّد حقوق نظرية مجرّدة من أيّ ضمانة فعلية في ظلّ إفلات معمّم من العقاب".


وأوضح "أنّ ما وصلنا إليه هو بفعل استغلال أصول المحاكمات المدنية وتحكّمها غير القانونيّ بالتعيينات القضائيّة. وتباعاً، رحّب المناوئون للمحقّق العدلي في قضية المرفأ، الواحد تلو الآخر، بهذا الاستغلال، ليرحّب من بعدهم حماة المصارف به وليتضامنوا ويتكاتفوا في تقويض النظام الدستوري والقانوني برمّته".


ولفت إلى أنّ هذه الممارسة قد شهدت تحوّلاً في درجتها بعدما اعتبر النائب العام التمييزي المحقق العدلي مغتصباً للسلطة لأنّه قرر وضع حدّ لتجميد التحقيق؛ لتشهد بعد ذلك تحوّلاً في طبيعتها حين تبنّاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي طالبًا من وزير الداخلية منع الضابطة العدلية الاستجابة لأي طلب من قاض مكفوفة يده سنداً للمادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية. وبذلك، تحوّلت هذه الممارسة إلى ممارسة حكومية يتمّ فرضها بالقوة ضد أيّ قاض قد يجد من واجبه أن يجتهد لوضع حدّ للعبث الناتج عنها".


وتابع :"هذا هو الواقع الذي ندد به ائتلاف استقلال القضاء في بيانات عدة، داعياً القضاة للاجتهاد لوضع حدّ لهذا العبث، داعياً نقابتيْ المحامين التدخّل لوضع حدّ لتعسّف بعض أعضائها في تعطيل القضاء.


وبعد تحوّل هذه الممارسة إلى ممارسة حكومية، ارتأى أن ينتقل للتّعاون مع حضرات النوّاب لتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية على نحو يمنع الاستغلال. فلا توقف دعوى الرد أو المخاصمة الملاحقة الجزائية بإرادة المدعى عليه، ولكن فقط في حال تثبتت المحكمة المختصّة من جديتها. تعديل بسيط وشبه بديهي، ولكنه على بساطته وبداهته يشكل شرطاً لإحداث خرقٍ في جدار الإفلات من العقاب".


وختم البيان: "لم ينجح نظام الحكم في استصدار قانون للعفو العام يعفي أركانه وأعيانه من عقود من الفساد. لكن ما يحصل من تعطيل للقضاء هو أخطر من أي قانون عفو عام، طالما أن من شأنه أن يعطّل ليس فقط محاكمة جرائم الماضي، ولكن أيضا جرائم الحاضر والمستقبل. فلنتحرك لوقف هذا العبث. لإعادة الانتظام العام".


منيمنة

وقال النائب إبراهيم منيمنة في كلمته إنه "في ظل الحديث المستمر عن التعافي والإصلاحات المرجوة، والخطابات والشعارات الرنانة التي نسمعها يوميا من مختلف الساسة اللبنانيين حول أهميتها وضرورة تحقيقها في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان من انعدام لفاعليّة المؤسسات فيه، والجرائم المستمرة التي ارتكبت ولا تزال ترتكب بالشعب اللبناني وفقدان أبسط مقومات العيش، يتناسى كثر منهم المدماك الأهم والمفتاح الأساسي الذي يُمكن أن يُعيدَ الانتظام والتوازن للمجتمع والأهم من كل ذلك أن يعيد العدالة والمساواة بين جميع أفراده مهما علا شأنهم، ويعزز دوره عبر صون استقلاليته للقيام بمهامه وتكريس ثقافة المحاسبة والعقاب ليكون كما حدده الدستور اللبناني سلطة فاعلة مستقلة تسمى السلطة القضائية وليس السلطة الانتقائية، ولا سلطة الاستزلام والمحسوبية".


أضاف أنّ "انعدام الثّقة الّذي يعيشُه الشّعب اللبناني بعد الأزمات المتتالية سواء جريمة انفجار المرفأ أو سرقة العصر لجنى العمر، ليس سوى نتيجة مباشرة لاضمحلال هيبة القضاء والدولة الذي يرزح تحت ظل التجاذبات والتدخلات السياسية من كل حدب وصوب، وغياب أي جهد جدّيّ لكلّ من تعاقبوا على المجلس النيابي للقيام بالتعديلات أو تقديم الاقتراحات اللازمة لضمان استقلالية هذا القضاء ليس فقط عبر بسط سيادة القانون بل وأيضاً عبر ممارسات السلطة القضائية السليمة بدءاً من طرق تعيين القضاة والجهات المخولة القيام بذلك وصولاً إلى إصدار الأحكام على قوس المحكمة".


ولفت منيمنة إلى أنه "بعد أكثر من أربع سنوات مرت ولا يزال اقتراح استقلالية القضاء العدلي ومن بعده اقتراح استقلالية القضاء الإداري يترنّحان بين لجنة الإدارة والعدل ولجنة أخرى فرعية في ظل تأخير وتعطيل مقصودين من قبل المنظومة التي لطالما سعت للهروب من هذا الملف، هي التي ساهمت وكرست مبدأ غياب المحاسبة، لا سيما في المؤسسات، ومبدأ الإفلات من العقاب فاستفحلت التجاوزات والمخالفات وصولًا للجرائم، مطمئنةً لوجود عدالة منقوصة وقضاء بمعظمه مرتهن يتحرّك غب الطلب ووفقاً لأجندات سياسية ضيقة، ولعلّ أكبر دليل على ذلك كان تحقيق انفجار المرفأ".


واعتبر منيمنة ألّا "خلاص ولا تعاف حقيقي للبنان بدون قضاء شفاف، مستقل، وعادل، هذه ليست شعارات شعبوية إنما مطالب أساسية للوصول للحوكمة الرشيدة المرجوة، عبر تعميم ثقافة المساءلة والمحاسبة في مؤسسات الدولة أولاً وفي المجتمع ككل ثانياً بحيث تترسّخ مبادئ المساواة أمام القانون وصولاً لعدالة مجتمعيّة حقيقيّة".


أضاف: "أُتابع وزملائي منذ اليوم الأول لدخولنا الندوة البرلمانية درس اقتراحات قوانين استقلال القضاء في اللجان المعنية ونسعى إلى أن نضمن ألّا يتمّ تفريغ الاقتراحات من مضمونها بمعنى ألّا تتضمن التعديلات الضرورية أو تلك التي سبق أيضا لهيئة البندقية أن أشارت إليها وأن تكون التعديلات جوهريّة ومراعية للمعايير الدوليّة للاستقلالية خصوصاً لناحية ضمان استقلال فعلي للهيئات القضائية والقضاة وطريقة تعيينهم أو انتخابهم، وطرق وضع التشكيلات القضائيّة كما والدّخول إلى معهد الدروس القضائية وذلك بهدف تكريس دولة الحقّ والعدالة والقانون ومكافحة أشكال الإفلات من العقاب كافة وتمكين القضاء أن يكون الملجأ القوي والضامن الأول لمصالح الشعب والشعب وحده".


وخلص منيمنة إلى "أنّ الشعب اللبناني لن يستعيد ثقته بهذا الوطن ولا بإمكان وجود دولة قوية فاعلة تساوي بين جميع أبنائها وتصون حقوقهم وحياتهم إلا عبر سلطة قضائية مستقلة بالفعل والممارسة، تبسط يد القانون وتضرب بيد من حديد وتعيد هيبة الدولة المفقودة".


ووعد ببذل "كل جهد في متابعة هذا الملف بجميع تفاصيله حتى يبصر النور قانون استقلالية القضاء وصولاً إلى سلطة قضائية مستقلة تعبّر عن طموحنا في دولة العدالة والمساواة".