طرق صحية لمعالجة نفسك من إنفطار القلب

02 : 00

يُعتبر الانفصال بعد علاقة طويلة تجربة مؤلمة لأقصى حد. وإذا أُضيفت إليها رحلة قاسية أخرى في فترة الانفصال أو الطلاق، قد يشعر الفرد بأنه لن يجد السعادة مجدداً في أي مرحلة من حياته. قد يبدو استرجاع السعادة مستحيلاً في المرحلة الأولى، لكن يبقى الشفاء من انكسار القلب ممكناً، ويمكن تحقيق هذا الهدف بطريقة صحية.



إنفطار القلب تجربة بشرية لافتة يختبرها عدد كبير من الناس. قد تتزامن مع الطلاق، أو إنهاء علاقة قديمة، أو الابتعاد عن الحبيب بقرار واعٍ، لكن يبقى التخلي عن الحياة المشتركة مؤلماً من الناحية العاطفية. تكشف الأبحاث التي تحلل انفطار القلب الناجم عن انهيار العلاقات العاطفية القوية عدداً من أسباب الانفصال أو الطلاق، أبرزها غياب الالتزام الجدّي، وانعدام التواصل أو فقدان الثقة بين الطرفين، واستمرار الخلافات، وقلة الاحترام.

لكن ظهر عامل مؤثر جديد في العلاقات العاطفية في الفترة الأخيرة: جائحة "كوفيد-19". يعتبر بعض الثنائيات فترة الإقفال التام التي رافقت أزمة كورونا سبباً للتقارب بين الناس، لكن لاحظ آخرون أن العوامل العصيبة المرتبطة بتلك الفترة كانت غامرة ومفرطة، بما في ذلك البطالة، والضائقة المالية، والابتعاد عن العائلة والأصدقاء. في آخر سنتين، قدّم الناس في أستراليا مثلاً 200 ألف طلب طلاق، وهو أعلى عدد منذ أكثر من عشر سنوات. وفي نيوزيلندا، لاحظ محامو الطلاق ومستشارو العلاقات زيادة كبيرة في طلب الاستشارة الزوجية منذ بدء الجائحة.

خطوات مفيدة

الشفاء بعد الانفصال يتطلب بعض الوقت. ليس غريباً أن يلجأ الناس أحياناً إلى آليات تكيفية غير صحية، مثل معاقرة الكحول، أو الأكل المفرط، أو أخذ الأدوية، أو المبالغة في العمل، لكبح الألم القوي. قد تنجح هذه الاستراتيجيات في البداية عبر إلهاء الفرد عن ألمه، لكنها تميل إلى زيادة الوضع سوءاً على المدى الطويل. في ما يلي مجموعة من الخطوات المفيدة للتعامل مع انفطار القلب بطريقة صحية:

انزع "نظاراتك الوردية": يميل الناس إلى الانفصال عن الشريك لسبب معيّن. لكنهم يميلون أيضاً إلى تذكّر اللحظات الجميلة حين يفكرون بتلك العلاقة. إذا لاحظتَ أنك بدأتَ تُركّز على إيجابيات علاقتك السابقة، حان الوقت لمراجعة بعض الحقائق. لا مفر من وجود مشاكل أدت إلى انهيار تلك العلاقة. دوّن العوامل السلبية في شخصية الشريك السابق وفي علاقتك معه، واذكر الحالات التي عجز فيها الشريك عن التعبير عن حبه لك بالطريقة التي تستحقها. قد يميل الفرد إلى إعطاء طابع رومانسي للعلاقة بعد انتهائها حين يعتبرها أفضل مما كانت عليه على أرض الواقع. إذا أصرّيتَ على تذكّر اللحظات الإيجابية حصراً، ستجد صعوبة متزايدة في تقبّل انتهاء العلاقة.

لا تلجأ إلى لعبة اللوم: حين تتخبط بسبب انفطار قلبك، يسهل أن تنغمس في مشاعر لوم الذات. لكن تنتهي العلاقات دوماً بسبب مجموعة مختلفة من العوامل المؤثرة، لذا حاول أن تكون واقعياً عند التفكير بمسؤوليتك عن ما حصل. حدّد أي أنماط من الأفكار السلبية التي تراودك وتجعلك تلوم نفسك على مواقف كانت متعددة الأوجه وخارجة عن سيطرتك. يسمّي خبراء العلاج المعرفي السلوكي هذه الحالة "التشويه المعرفي الشخصي"، ويشير هذا المفهوم إلى أنماط تفكير قد لا تعكس صورة حقيقية عن الواقع. تعاطف مع ذاتك إذاً بدل أن تلوم نفسك.

كن لطيفاً مع نفسك: عند التعامل مع تداعيات انفطار القلب، قد تميل إلى وضع حاجاتك الحقيقية جانباً. لكنك تحتاج إلى التركيز على الاهتمام بنفسك حين تواجه هذا النوع من التخبّط. من الضروري أن تعتني بنفسك في هذه المرحلة من حياتك. تعني الرعاية بالذات أن تلبّي حاجاتك الأساسية بأفضل الطرق عبر القيام بخيارات غذائية صحية، والنوم لمدة كافية، وممارسة التمارين الجسدية بالشكل المناسب، والسيطرة على الضغط النفسي. قد تعني هذه المقاربة أيضاً أن تُدلل نفسك عبر أخذ حمّام ساخن لاسترجاع الاسترخاء مثلاً، أو الذهاب إلى السينما مع الأصدقاء، أو شراء هدية مميزة لنفسك. حين تتأذى بقوة بعد الانفصال أو انهيار علاقة قديمة، قد تميل إلى اعتبار الجنس الآخر غير جدير بالثقة. قد تظن أن هذا النوع من التفكير يحميك من الأزمات العاطفية مستقبلاً، لكنه يحرمك فعلياً من فرصة إيجاد شريك جديد ومستعد لدعمك حتى النهاية. ابدأ بتحدّي هذا التفكير "الأبيض والأسود" إذاً، وحاول أن تثق بشريك جديد محتمل حتى لو راودتك بعض الشكوك. قد تظن مثلاً أنك لن تجد شخصاً مناسباً بقدر الحبيب السابق، أو ربما تُقنِع نفسك بأن الألم الذي شعرتَ به يمنعك من المجازفة بالوقوع في حب شخص آخر مجدداً. لكنه تفكير خاطئ. يعود الكثيرون إلى جلسات الاستشارة الزوجية بعد سنة أو سنتين ويعترفون بأنهم وجدوا حبّاً كان مستحيلاً بنظرهم.

عندما تعيش تجربة انفطار القلب بعد انتهاء زواجك أو انهيار علاقة قديمة وقوية، من الطبيعي أن تتوقع استمرار مشاعر الألم والحزن بشكلٍ دائم. لكن يجب أن تتحلى بالصبر وتتذكر أن الشفاء يتطلب بعض الوقت. نظراً إلى اختلاف الناس عن بعضهم وتعقيدات العلاقات، تختلف المدة التي يحتاج إليها كل فرد للشفاء بالكامل من انفطار القلب. قد تشعر بأنك لن تتعافى يوماً، لكن يتجاوز معظم الناس هذه المحنة مع مرور الوقت.

قد يكون تجاوز انتهاء العلاقات العاطفية مشابهاً لفترة الحداد. تذكر الأبحاث المرتبطة بالحزن أن الناس قد يسترجعون وضعهم الطبيعي خلال 18 شهراً. لكن قد يختبر بين 7 و10% من الناس "شكلاً معقداً من الحزن"، أو ما يُعرَف باسم "اضطراب الحزن المطوّل". يبدأ هذا الحزن المعقد حين يعجز الفرد عن التخلص من حزنه المرتبط بخسارة الشريك. غالباً ما تكون هذه الحالة حادة وقد تؤثر على حياة الناس اليومية. بشكل عام، يرتبط تشخيص الحزن الرسمي بحالات الحداد أكثر من الطلاق أو الانفصال، ويكون الطبيب النفسي المتخصص بحالات الحزن أفضل من يقوم بهذا التشخيص. في ما يخص الخسارة العاطفية، يظهر الحزن المعقد عموماً بعد مدة تتراوح بين ستة أشهر وسنة، وقد يشمل الأعراض التالية:

• أفكار هوسية تُركّز على العلاقة السابقة أو الشريك.

• التفكير بالعلاقة السابقة أو الشريك لفترة طويلة يومياً (أو كل يوم تقريباً).

• ألم عاطفي حاد تزامناً مع متابعة التفكير بالعلاقة السابقة أو الشريك.

• صعوبة في تقبّل انتهاء العلاقة السابقة أو تجنّب العوامل التي تُذكّرك بالشريك.

• فقدان الثقة بالآخرين.

• مشاعر عميقة من الحزن، والغضب، والمرارة، والظلم، والقلق المرتبط بخسارة العلاقة السابقة أو الشريك.

• مشاعر خَدَر، أو انفصال تام عن الحياة اليومية.

• صعوبة في العمل، أو مشاكل في تربية الأولاد أو بدء علاقات جديدة.

يتفاجأ خبراء العلاقات دوماً بقوة الناس وقدرتهم على تجاوز هذا النوع من المشاكل. إذا كنت تظن أنك تعاني من حزن معقد أو تحتاج إلى المساعدة لتقبّل خسارة علاقتك السابقة، يجب أن تُكلّم طبيبك. يرتفع عدد خبراء الصحة النفسية، وتكثر الخدمات التكيّفية والاستراتيجيات المفيدة في هذا المجال. الأهم من ذلك هو أن تتذكر أن الشفاء من انفطار القلب قد يستهلك جزءاً كبيراً من وقتك وطاقتك، لكنه مسار يستحق العناء في نهاية المطاف.


MISS 3