جوزيفين حبشي

الإفطار الدرامي... اختناق

29 آذار 2023

02 : 01

لست هنا "لأتفلسف" على أحد، ولكن هل تساءل احد من صنّاع الدراما اللبنانية تحديداً، ما سبب نجاح الفيلم اللبناني "ع مفرق طريق" وصموده في صالات السينما للشهر الرابع، رغم الازمة الاقتصادية، ورغم أن الافلام اللبنانية نادراً ما كانت تصمد في السابق للشهر الثاني، في حال صمدت؟ فيلم "ع مفرق طريق" ليس تحفة فنية، ولكنه قدّم للجمهور اللبناني اكثر شيء يحتاجه في هذا الزمن الاسود، المليء بثاني اوكسيد الذل والفقر والجوع والمآسي. لقد قدم للجمهور اللبناني ضحكة ومتنفساً وشخصيات طريفة وواقعاً لبنانياً جميلاً بعاداته وتقاليده، واجواء كوميدية نظيفة، تماماً مثل الهواء المشبّع باوكسيجين طبيعة لبنان الخلابة.

وانطلاقاً مما تقدّم، يحق لي بصفتي واحدة من هذا الجمهور اللبناني التعيس (وليس بصفتي كاتبة "ع مفرق طريق") أن أقول لصنّاع الدراما اللبنانية السورية المشتركة الرمضانية تحديداً التالي: "في شهر الصوم، بيكفينا اللي فينا، ولا نريد أن نفطر على مآسٍ، ولا نريد أن نختنق من مشاهد البؤس والظلم والعنف والقتل والتعتير، حتى ولو كانت مقدمة بمستوى فني متقن وبواقعية كبيرة. حتماً المستوى الفني الرائع والواقعية المذهلة أمران يستحقان تصفيقاً مدوياً في زمن طبيعي، ولكننا لسنا في زمن طبيعي، ولا نريد واقعية وواقعاً "واقعاً" اصلاً على رؤوسنا بهمّه وتعبه ويأسه وفقره في هذه الحقبة من الزمن الأغبر.

نريد أن نتنفّس، نريد أن نضحك، نريد أن نحلم، وهذه امور ممكنة، حتى وانتم تقدمون مآسيَ من صلب واقعنا بلغة فنية جيدة، وتعالجون قضايا الانهيار الاقتصادي والنازحين السوريين الذين سيطروا في الاحياء على المحال والتجارة، والمرابين، ومكتومي القيد، والتهريب، والاتجار بالمخدرات والعملات المزورة والدعارة وغيرها في مسلسلات مثل "النار بالنار" و"للموت 3" و"وأخيراً" وغيرها.

اذا كنتم مصرّين، قدموها، ولكن امزجوا العمق والواقع المجبول بالهمّ والغم بالنفس الطريف اكثر، وركزوا اكثر على صورة جمالية وادارة فنية للمأساة، لا تزيدنا سوداوية واختناقاً. هذا ممكن طبعاً، وخير دليل سلسلة "للموت" التي حوت مضموناً لندين جابر فيه مآسٍ كثيرة طبعاً، وآفات عديدة اكيد، ولكن، فيه ايضاً وايضاً طرافة كبيرة وخفة لذيذة وسحر فانتيزي. أما الإخراج الاستثنائي لمبدع مثل فيليب اسمر، فحدث عنه بلا حرج، إذ له الفضل الكبير في اضفاء الاناقة والحلم والجمالية على صورة المسلسل واجوائه ومناخه وألوانه، حتى وهو يصور اكثر الاجواء "تعتيراً".

في شهر الصوم، وجبات مثل "النار بالنار" و "واخيراً" و"للموت" دسمة جداً، ولكن الجمهور لم يعد يرغب أن يفطر فقط على دراما ومأساة وواقعية خانقة. في شهر الصوم، الجمهور يريد أن تحلو سهراته مع "كلاج" الطرافة والكوميديا والاناقة والسحر والحلم. فهل يستجيب الطباخون للجائعين لضحكة اوكسيجين أمثالنا نحن اللبنانيين؟


MISS 3