الراعي: المطلوب قرار سياسي جريء لإنقاذ البلاد

13 : 01

 ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد في بكركي، عاونه فيه النائب البطريركي العام المطران حنا علوان والنائب البطريركي أنطوان عوكر، في حضور السفير السابق لدى الفاتيكان العميد جورج خوري، رئيس بلدية حملايا ديلور أبي شبل، مختار البلدة ووفد من أهلها.

وألقى الراعي عظة بعنوان "تحنن عليه يسوع ولمسه، وقال: قد شئت فأطهر، قال فيها: "زمن الصوم الكبير هو زمن لقاء إيمان الإنسان ورحمة الله. هذا ظاهر لنا في آية شفاء الأبرص الذي حمله إيمانه على تخطي شريعة عزله عن الجماعة، ماثلا أمام يسوع وملتمسا بكل تواضع وثقة: إن شئت، فأنت قادر أن تطهرني. فتحنن يسوع عليه، وحملته رحمته على تخطي شريعة المنع عن لمس المصاب ببرص، فمد يده ولمسه وقال له: قد شئت، فأطهر. وفي الحال زال عنه البرص (راجع مر1: 40-42)".

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونحن نقف أمام المسيح الفادي مصابين ببرص خطايانا ضد الله، وضد الإنسان وضد ذواتنا المسيحية. وبإيمان الأبرص نجثو أمامه حاضرا في ذبيحته الخلاصية، ملتمسين الشفاء من برصنا الروحي والأخلاقي، الظاهر في أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا، في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. ويطيب لي أن أرحب بكم جميعا، مع تحية خاصة إلى الأهل الآتين من حملايا العزيزة برفقة رئيس بلديتها ومختارها، وابنائنا الاكليريكيين في غزير الذين يحيون هذه الليتورجيا ومعهم مرشدهم الخوري بول مطر، كما احيي سفيرنا السابق لدى الفاتيكان العميد جورج خوري".

وتابع: "البرص مرض يشوه جسد المصاب فتتآكله القروح. وهو مرض معد، ومعتبر في الشريعة القديمة قصاصا على خطيئة الأبرص الشخصية. فكانت تفرض أن يعلن الكاهن مرضه ويأمر بعزله عن الجماعة والعيش في البرية، ويمنع لمسه تجنبا للعدوى (راجع أحبار 13). لكن ذاك الأبرص شجعه إيمانه بيسوع على الدخول وسط الجماعة متحديا حظر الشريعة، وملتمسا الشفاء. فما كان من يسوع إلا أن أخذ بشدة رحمته، وخلافا لما تأمر الشريعة، مد يده ولمسه وشفاه. فلم تنتقل عدوى البرص إلى يسوع، بل انتقلت قوة النعمة الإلهية إلى الأبرص فطهرته من برصه. لم يخالف الأبرص الشريعة عندما حضر وسط الجماعة، بل أتى إلى رب الشريعة، طالبا أنسنتها، وتلطيفها بالرحمة. ويسوع، لم يخالف الشريعة، عندما لمس قروح البرص، بل رفعها إلى كمالها، وهو الذي قال: لقد وجد السبت للانسان، لا الإنسان للسبت (مر27:2). وفي مكان آخر: لا تظنوا أني جئت لأبطل التوراة أو الأنبياء. ما جئت لأبطل، بل لأكمل (متى17:5). في الواقع، من بعد أن شفى يسوع الأبرص، أمره العمل بموجب شريعة موسى: أن يري نفسه للكاهن، لكن يعلن طهره ويعيده إلى الحياة في الجماعة، وأن يقدم القربان عن طهره (راجع مر44:1؛ أحبار14)".

وقال: "يرمز البرص إلى الخطيئة التي تشوه صورة الله في الإنسان: عقله وإرادته وقلبه. وهي كالبرص تنقل عدوى الشر بالمثل السيىء. لكن المسيح يشفي منها بكلمة رحمته، عندما يطلبها التائب بإيمان، وقلب تائب. فأسس من أجل هذه الغاية سر التوبة، ومنح الكاهن سلطان الحل والشفاء منها بإسم محبة الله الآب، ونعمة الإبن الفادي، وحلول الروح القدس ناقل الحياة الجديدة. مشكلة عالم اليوم أنه أضاع معنى الخطيئة والحس بها، بسبب فقدان محبة الله والإنسان. فمن يحب حقا، لا يسيء إلى محبوبه. ومن يحب الله لا يسيء إليه، بل يتعمق في تعليمه ووصاياه، لكي يسلك في طريق محبته. وكذلك من يحب الإنسان لا يسيء إليه بل يحترم شخصه ومشاعره. لذا قال المكرم البابا بيوس الثاني عشر إن خطيئة هذا العصر هي فقدان معنى الخطيئة. أسباب فقدان حس الله ومعنى الخطيئة تعود إلى الجهل الديني، والروح الاستهلاكية، والمادية، وإلى العلمانية التي تتجاهل الله، ومجانبة خلق الشعور بالذنب، وإلى النسبية التي تنفي وجود أفعال غير جائزة بحد ذاتها، فإلى البرامج الهدامة التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي، وما سواها".

أضاف: "أما الخطيئة على الصعيد الاجتماعي والسياسي فهي النزاعات والعداوات والفساد المالي، وسوء الأداء السياسي البعيد من تأمين الخير العام، وإهمال واجب السلطة واستغلالها رشوة وسرقة وهدرا، والغنى غير المشروع. فكما أن الخطيئة التي لا يتوب عنها مرتكبها تبلغ به إلى الموت الروحي والهلاك، هكذا الخطيئة السياسية تفضي إلى هلاك صاحبها، وإلى إسقاط البلاد في أزمات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية كالتي يتخبط فيها اليوم لبنان وشعبه".

وتابع: "الأنظار تتجه إلى الحكومة لإنهاض البلاد من قعر هذه الأزمات. فالكل ينتظر أن تبادر إلى الإصلاحات المطلوبة في الهيكليات والقطاعات، ولا سيما أن العديد من الدراسات موجودة وحلولها جاهزة: فالمطلوب قرار سياسي جريء لتنفيذها. وينتظر منها الشعب إجراء تعيينات إدارية على أساس الكفاءة، بعيدا من آفة المحاصصة، لكي تكسب ثقة الشعب وشبيبة الوطن. وفيما نهنئها على قرار البدء باستكشاف وجود غاز ونفط، ينتظر منها الجميع المسارعة إلى البدء بإنشاء محطات ثابتة لتوليد الطاقة الكهربائية، والحد من اللجوء إلى حلول موقتة، كانت لها غاياتها المعروفة. وينبغي أن تنظر الحكومة إلى حال الشعب ومشكلته مع المصارف وقد أضحوا متسولين على أبوابها، ومع الصيارفة، ومع محال المواد الغذائية التي ترفع أسعارها من دون رقيب أو حسيب أو رحمة أو صوت ضمير".

وختم الراعي: "فيما نشعر مع الحكومة والمسؤولين بثقل كل هذه الأوضاع، فضلا عن الهم الأكبر بانتشار وباء كورونا الذي يهدد سلامة المواطنين صغارا وكبارا، ويوجب معالجة دقيقة وتعاطيا أكثر جدية، نصلي إلى الله لكي يعضد المسؤولين ويلهمهم أفضل السبل للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، ونلتمس منه أن يحمي شعبنا من الجوع والعوز والمرض، ولا سيما من وباء كورونا. فهو قدير وسميع ومجيب".


MISS 3