جاد حداد

The Affair... مُسلّ مع بعض الشوائب

2 آذار 2020

14 : 00

إذا شاهدت فيلم Rashomon المعروف للمخرج أكيرا كوروساوا، فلا شك في أنك سمعت إشادة واسعة بالمخرج والفيلم معاً. وفق التقنية التي يرتكز عليها هذا الفيلم، يظهر عدد من الأشخاص لسرد الحوادث نفسها. لكن يروي كل شخص منهم الحادثة بطريقة مختلفة. لا يتعلق السبب بزلات في ذاكرتهم فحسب، بل إنهم يستوعبون الأحداث ويفسرونها بطريقة مختلفة أيضاً. تنكشف "الحقيقة" في نهاية المطاف بفضل بعض القصص. لكن تزداد المسائل تعقيداً بشكلٍ مثير للاهتمام حين يكتفي المشاهد بالاطلاع على نسخ مختلفة من القصة نفسها. يمكن استعمال هذه المقاربة لزيادة مستوى التشويق. وعند تطبيقها بالشكل المناسب، قد تصبح أداة ممتازة لرسم معالم الشخصيات من خلال التلميح إلى الأطراف التي تنحاز إليها.

يستعمل أحدث مسلسل على شبكة "شوتايم"، The Affair (العلاقة الغرامية)، هذه التقنية كأداة سرد أولية. "نواه سولواي" (دومينيك ويست) هو أستاذ في مدرسة عامة ويعيش زواجاً سعيداً مع زميلته "هيلين" (مورا تيرني). كما يحصل في كل سنة، يغادر الزوجان وأطفالهما الأربعة منزلهم الواقع في ضواحي نيويورك لتمضية عطلة الصيف في "لونغ آيلند" مع والدَي "هيلين" فاحشَي الثراء. فيمرون بمطعم محلي، حيث تعمل "أليسون بايلي" (روث ويلسون) كنادلة منذ أن أنهت دراستها. هي متزوجة من "كول" (جوشوا جاكسون) الذي ينتمي إلى عائلة محلية متماسكة من أصحاب المزارع. تنشأ شرارة معينة بين "نواه" و"أليسون"، مع أن الذكريات التي يسردانها تختلف بطرقٍ مثيرة للاهتمام.نشاهد لقطات استرجاع الذكريات فيما يستجوبهما أحد المحققين. ما سبب الاستجواب وما هي الجريمة المرتكبة؟ لا داعي للكشف عن تفاصيل إضافية...



مع تقدم سرد الذكريات، يتوسع مستوى الغموض. حتى لو اكتشفنا نوع الجريمة المرتكبة، لن يتّضح السبب أو هوية المجرم سريعاً. يبرع الكتّاب والمخرجون في تقديم هذا الجانب من القصة. سنسمع تفاصيل علاقة ماضية على شكل مقاطع منفصلة من وجهة نظر شخصَين. تنقسم كل حلقة إلى قسمَين: قسم لـ"نواه"، وقسم لـ"أليسون". في الوقت نفسه، تبرز تلميحات مربكة عن حاضرهما. ستكون هذه العناصر المتناغمة كلها كفيلة بجذب انتباهنا وزيادة رغبتنا في مشاهدة المزيد من الحلقات. مع ذلك، يبقى الجانب الغامض من الحكاية عاملاً ثانوياً. تُركّز القصة بشكلٍ أساسي على العلاقات الإنسانية والمشاكل العائلية، لا سيما الزواج. بطلا القصة خائنان، وهما يتصرفان أحياناً بسبب سوء الأحكام التي يطلقانها. بشكل عام، تكون القصص التي تشمل شخصيات أساسية شائبة مزعجة بدرجة معينة، لكنها تعكس الواقع. تحمل جميع الشخصيات في هذا المسلسل طابعاً إنسانياً واقعياً. قد لا تكون مُحببة جداً لكنها بشرية بامتياز. يبرع الكتّاب في استكشاف التحديات التي تواجهها جميع أنواع العلاقات ويستحقون الإشادة على هذا الجانب من القصة.

طريقة تنفيذ المسلسل ذكية، ومع ذلك من المفاجئ أن يفوز بجائزة "غولدن غلوب"، فهو يحمل مجموعة من الشوائب أيضاً. لا يوضح المسلسل مطلقاً شخصية "نواه" بما يكفي. في النهاية، يسهل أن نفهم الأسباب التي دفعت "أليسون" إلى تدمير زواجها، لكن تبدو تصرفات "نواه" في المقابل غير متماشية مع الانطباعات التي يعطيها في المشاهد الأولى. حتى أن شخصيته تبدو مبالغاً فيها أحياناً. ما من عناصر كافية لتشجيعنا على مشاهدة عشر حلقات بالاهتمام نفسه. ولولا تقنية السرد المعتمدة، ما كانت القصة بحد ذاتها لتبدو مثيرة للاهتمام. في ظل التركيز المفرط على العلاقات ومواقف سوء التفاهم بين العشيقَين والتقلبات العاطفية وانكسار القلوب، تبدو أجواء المسلسل أقرب إلى البرامج الموجهة إلى النساء على قناة "لايف تايم".

أخيراً، لا بد من الإشادة بالتمثيل القوي. لا عجب في أن تفوز روث ويلسون بجائزة "غولدن غلوب" عن فئة أفضل ممثلة. فقد قدمت أداءً مدهشاً وهي تستحق الجائزة بكل تأكيد. كما أن الممثلين الآخرين ممتازون بشكل عام.

في النهاية، نوصيك بهذا المسلسل المفعم بالمشاعر الصادقة إذا كنت ترغب في مشاهدة دراما حقيقية. هو لا يناسب الأولاد حتماً، بل إنه مصنّف للكبار فقط.


MISS 3