جاد حداد

3 Body Problem... نوع نادر من قصص الخيال العلمي

27 آذار 2024

02 : 03

في بداية مسلسل 3 Body Problem (مشكلة الأجسام الثلاثة) المقتبس من ثلاثية الكاتب الصيني ليو شيكسين، تقتنع كائنات حيّة ذكية من زاوية أخرى من الكون بأنها تحتاج إلى استعراض كبير للفت أنظار البشر. في ليلة صافية، تسطع النجوم في السماء، ثم تومض بوتيرة متقطعة وتنقل سلسلة من الأرقام. يراقب عالِما فيزياء تلك الظاهرة أثناء وجودهما في باحة قاتمة في «أكسفورد»، إنكلترا. أمام ذلك المشهد، يشعر أحدهما بالذهول والانبهار، بينما تشعر العالِمة الثانية بالرّعب. في اليوم التالي، يقرّر العالِم المنبهر «سول دوراند» (جوفان أديبو) استكشاف ما حصل. شاهد الجميع في العالم وميض تلك النجوم، لكن لم ترصد أقوى تلسكوبات الأرض تلك الومضات السماوية. ربما كانت هذه الإشارة الماورائية رسالة إلى رفيقة «سول»: إنها باحثة متخصصة في مواد النانو واسمها «أوغي سالازار» (إيزا غونزاليس). هي تشاهد عدّاً تنازلياً ساطعاً في مجال رؤيتها طوال أيام. تتماشى الأرقام الظاهرة في السماء مع تلك التي تشاهدها «أوغي» كلما فتحت عينيها.

قبل ظهور الكائنات الفضائية، يبدو العالم الذي تدور فيه الأحداث شاسعاً، وهو يتنقل بين الحقبات الزمنية، والقارات، والوقائع. يحاول المسلسل في البداية أن يجذب المشاهدين عبر التطرّق إلى لغز تقليدي. يتنبّه محقّق في وكالة استخبارات غامضة، اسمه «كلارنس شي» (بينيديكت وونغ)، إلى سلسلة من حالات انتحار وسط علماء من النخبة في جميع أنحاء العالم. تتمحور إحدى القضايا حول أستاذة فيزياء اسمها «فيرا»، ما يدفع عدداً من تلاميذها إلى الاجتماع بشكلٍ عاجل. يتألف هذا الفريق من خمسة أعضاء متعطشين لمعرفة الحقيقة ويكون «سول» و»أوغي» جزءاً منهم. أصيب عدد كبير من الضحايا بهلوسات متشابهة تترافق مع عدّ تنازلي: إنها مهلة نهائية كي يوقفوا أبحاثهم ويتجنبوا عواقب وخيمة.

بعد هذه المرحلة، تتلاحق الأحداث الممتعة وغير المتوقّعة. يبدأ «كلارنس» بمراقبة أعضاء «أكسفورد» الخمسة، أبرزهم «جين تشانغ» (جيس هونغ) التي تتلقى من والدة «فيرا» المفجوعة (روزاليند تشاو) خوذة مستقبلية تستطيع نقلها افتراضياً إلى عالم آخر. في ذلك الكون البديل الذي تعتبره «جين» نسخة من إمبراطورية الصين القديمة، يصبح البقاء على قيد الحياة مستحيلاً بسبب قوى الجاذبية المتقلّبة في شموس ثلاثية. سيكون حل «مشكلة الأجسام الثلاثة» الواردة في عنوان المسلسل الطريقة الوحيدة لإحراز التقدّم في هذه اللعبة الشائكة، لكن سرعان ما تكتشف «جين» (ثم «كلارنس») أنّ المخاطر المطروحة لا تقتصر على بلوغ المستوى اللاحق من اللعبة. هذا الاختبار هو من تصميم الكائنات المسؤولة عن استعراض النجوم في بداية القصة، وهي فصيلة من خارج الأرض تبحث عن كوكب صالح للسكن. تريد تلك الكائنات بهذه الطريقة أن تكشف محنتها أمام البشر، تزامناً مع تحديد العباقرة القادرين على مساعدتها أو كل من يريد إعاقة خططها باستعمار الأرض.

يدخل هذا المسلسل في خانة نادرة، فهو يستعمل عامل الترفيه لنقل المشاهدين إلى عوالم مشوّقة وعميقة. في النهاية، لا يشبه السيناريو الذي يرتكز عليه العمل قصص الخيال العلمي التقليدية. ستأتي الكائنات الفضائية، لكنها لن تظهر قبل 400 سنة، ما يسمح بتنبيه البشر من مواجهة مرتقبة أو حرب محتملة على بُعد أجيال من الآن. إذا تناسينا الجانب العلمي للحظات، يمكننا التركيز على أسئلة أكثر عمقاً: ما هي الإرادة السياسية المطلوبة (سواء كانت توتاليتارية أو من نوع آخر) لمتابعة الاستعداد لما ينتظر البشرية طوال قرون؟ وكيف يمكن إقناع أغنى الأغنياء بالمشاركة في سباق فضائي جديد بطريقة ترضي غرورهم؟ وما هي الموارد اللازمة لتسريع الاكتشافات العلمية بدرجة فائقة؟

ثمة توازن ناجح بين هذه العناصر الفكرية العميقة والجوانب الدرامية، والمبتكرة، والمقلقة التي نشاهدها في قصص الرعب النموذجية. لكن يتّسم المسلسل في الوقت نفسه بجوانب عاطفية صادقة. ينضمّ «ويل داونينغ» (أليكس شارب) إلى فريق «أكسفورد»، وهو شاب لطيف لطالما كان معجباً بـ»جين»، بالإضافة إلى صديقه المقرّب «جاك روني» (جون برادلي)، الرجل الواقعي الذي جمع الملايين عبر بيع الوجبات الخفيفة. قد تكون تفاصيل هذه الصداقات من أبرز نقاط قوة المسلسل.

أخيراً، تُستعمل الكائنات الفضائية في هذه القصة كاستعارة قوية وغير متوقّعة للدلالة على مخاطر التغيّر المناخي التي تلوح في الأفق. حين تتّضح مخاطر الغزاة، يقول أمين عام الأمم المتحدة: «نحن ندين لأحفادنا بالقتال من أجلهم». يتجاوب البعض بلامبالاة مع حدث كارثي قد لا يقع قبل فترة طويلة، بينما يجد آخرون رسائل إنقاذية في أشكال الحياة الجديدة، فيفترضون أن قدراتهم التكنولوجية المتزايدة يجب أن تترافق مع نهضة فكرية عميقة. من المعروف أن الحركات الاجتماعية ونوبات الهلع الجماعي والحماسة الدينية تنتشر بسهولة. لكن يرتكز المسلسل على فكرة كامنة قد تدفعنا إلى التفكير بالأنماط السلوكية التي تبدو مألوفة على نحو خطير في العام 2024. يُطرَح تفسير لوضع الكون مع وصول الكائنات الفضائية من جانب شخصٍ يعرف أصلاً أنه لن يعيش لرؤية تلك الأحداث، فيقول: «من الممتع أن نتخيّل «حرب العوالم» المستقبلية بدل الانشغال بمشاكلنا الراهنة». قد تنطبق الفكرة نفسها على مشاهدة هذا المسلسل، فيشكّل هذا الأخير مصدر إلهاء عن المشاكل المعاصرة.

MISS 3