جاد حداد

Ripley... رحلة بحث من نوع آخر

15 نيسان 2024

02 : 00

يتألف المسلسل القصير Ripley من ثماني حلقات، وهو مقتبس من خمس روايات كتبتها باتريسيا هايسميث ونُشِرت بين العامين 1955 و1991، لكنه يغطّي بشكلٍ أساسي الأحداث الواردة في الكتاب الأولThe Talented Mr. Ripley (السيد ريبلي الموهوب). يحتاج المشاهدون إلى التحلي بالصبر عند مشاهدة هذا العمل لأن بنيته ثقيلة، فهو مليء بالحوارات والمراجع البصرية، حتى أن الانتقال من حلقة إلى أخرى يتطلب جهداً معيّناً بسبب تصويره السينمائي الغامر والفخم. ترتكز القصة على أسئلة عميقة: هل يمكن أن يرتكب الناس الجرائم بسبب اليأس؟ أم أنهم يسيرون في هذا الاتجاه بسبب اشتباه الآخرين بكل من يختلف عنهم من حيث الجنس، أو الطبقة الاجتماعية، أو الميول الجنسية؟


منذ المشاهد الأولى، سنتعرّف على «توم ريبلي» (أندرو سكوت) كرجلٍ محتال وفقير من مدينة نيويورك. هو يدير وكالة مزيفة لتحصيل الديون. يبدو «ريبلي» شخصاً يعرف كل شيء، وهو مصاب بشكلٍ من الرهاب الذي يتماشى مع مواصفات شخصيته. تتمحور لقطات طويلة حول شعور «توم» بوجود من يراقبه أو يلاحقه، وتُركّز المشاهد المقرّبة على تعابير وجه سكوت التي تتنقل بين السيطرة على المشاعر لحماية نفسه والتهذيب الذي يتزامن مع نوع من اللامبالاة عند تفاعله مع الآخرين. حين يقترب منه محقق خاص (بوكيم وودباين) بطلبٍ من الاسم البارز في مجال صناعة السفن، «هيربرت غرينليف» (كينيث لونيرغان)، يتعامل «توم» معه بخليط من اللامبالاة، والارتباك، والرقي، واللطف، إلى أن يعرف أن «غرينليف» يريد أن يعرض عليه عملاً مأجوراً يقضي بتعقب ابنه «ديكي» (جوني فلين) الذي غادر منزله إلى إيطاليا قبل سنوات ولم يعد منذ ذلك الحين. سمع «غرينليف» أن «توم» و»ديكي» صديقَين، وسرعان ما يصبح «توم» آخر أمل لتبديد آمال «ديكي» بالتحول إلى رسّام ولإبعاده عن حبيبته «مارج شيروود» (داكوتا فانينغ) وإعادته إلى دياره لإدارة الشركة التي سيَرِثها يوماً.


سرعان ما يتبيّن أن «توم» لا يعرف «ديكي». لكنه يستغل الفرصة لكسب المال وبدء حياة جديدة، لذا يقرر الذهاب إلى إيطاليا لإتمام هذه المهمّة. حين يصل إلى بلدة «أتراني» الشاطئية ويقابل «ديكي» و»مارج»، سيلاحظ أنهما مجرّد أميركيَين فارغَين تجمعهما جذور مشتركة ويجعلهما تعصّبهما لا يعتبران «توم» مشابهاً لهما. أمام هذا الوضع، يقرر «ريبلي» تغيير أساليبه. يقدّم سكوت دور «ريبلي» بأسلوب عاطفي لدرجة أن يبدو غريب الأطوار أحياناً.



قد تبدو الحلقات الفردية بطيئة أو ضعيفة، إذ تتعدد فيها الحوارات الطويلة أو المشاهد الصامتة خلال لحظات المطاردة أو التلصص. لكن يتماشى هذا الإيقاع مع طبيعة القصة بشكل عام، إذ ينجح صانعو العمل في تقديم مشاهد العنف التي تناسب الأجواء المتوترة الطاغية على معظم فصول القصة، وتحمل المشاهد في الوقت نفسه طابعاً مضحكاً وشريراً في آن. لكن تُعرَض معظم لحظات الكوميديا السوداء في المسلسل على حساب خصوم «توم»: يتجرأ «ديكي» مثلاً على مقارنة لوحاته المريعة بأعمال بيكاسو، وتتكلم «مارج» عن الجهود التي بذلتها لتحضير كتاب عن بلدة «أتراني»، مع أن أبحاثها التي امتدت على سنة كاملة تبقى محدودة وسطحية في أفضل الأحوال.



كذلك، يسخر صانعو العمل منهما عبر الخيارات التي يقومون بها، إذ تظهر شخصيات إيطالية مثلاً وهي توجّه نظرات ساخرة وغريبة إلى هذين الأميركيَين المتغطرسَين، وتُستعمل شخصية «توم» أيضاً للاستهزاء بهما، إذ يجسّد سكوت هذه اللحظات بأسلوب يوحي بأنه يجد صعوبة في إخفاء سخريته حين يحاول مضايقة «مارج»، و»ديكي»، وصديقهما المغرور «فريدي مايلز» (إيليوت سامر). يشكّل سكوت وفانينغ ثنائياً مدهشاً كصديقَين ظاهرياً وعدوَّين داخلياً، وتتطور العلاقة السامة بينهما بفضل غطرسة «مارج» واستمتاع «توم» بمواقفها التي تثبت اقتناعها بأنها تفهمه بشكلٍ كامل. ربما يتعلق واحد من أكثر المشاهد المضحكة في المسلسل بلحظة مغادرة «مارج» للبلدة بعد اشتباهها بطبيعة العلاقة التي تجمع «توم» و»ديكي»، فيصرخ «توم» بعبارة «مارج! إلى اللقاء!» وهو يلوّح بيده وترتسم على وجهه ابتسامة ماكرة. يعكس هذا السلوك أعلى درجات الازدراء ويجيد سكوت تجسيد هذه اللحظات.



اعتبرت الرواية الأصلية الثروة أساس الحياة الحيوية والميسورة التي تصبح فارغة في نهاية المطاف، لكن يعتبرها «ريبلي» في هذا المسلسل طريقة للاختفاء داخل الفنادق، حيث يمتنع الموظفون عن طرح الأسئلة على ضيوف الجناح الأعلى ثمناً. كذلك، كانت شخصية «توم» في نسخة سابقة من هذه القصة تتحرك انطلاقاً من رغبتها في إيجاد الحب والقبول. أما النسخة التي يقدّمها سكوت، فهي تكره أكاذيب الآخرين عن الأشياء التي ترضيهم، لا سيما حين يزعم البعض أن المال ليس جزءاً من حاجاته. يتّسم «ريبلي» هذه المرة بأنماط متكررة من السلوكيات المهذبة واقتناعه بما يملكه مقابل التشكيك بما يفتقر إليه. من الواضح أن صانعي العمل يريدون من المشاهدين أن يستنتجوا أن اختلال التوازن في الحياة يُغنِي من يعيشون في النور ويُضعِف من يعيشون في الظلمة. تكثر الظلال الرمادية في المشاهد، ويميل المسلسل إلى رفض أي دروس أخلاقية حاولت الرواية الأصلية تقديمها في اللحظات الأخيرة من القصة. بعبارة أخرى، يسود شكل واضح من الحنكة الماكرة في عمق هذا المسلسل وتطغى روح متقلّبة على الشخصية الرئيسية، ما يجعل هذا العمل مختلفاً عن مصدره على مستويات عدة.





MISS 3