رفيق خوري

التوقيت الإقليمي والدولي لساعة الرئاسة المعطلة

1 نيسان 2023

02 : 00

تصوير فضل عيتاني

الرئيس نجيب ميقاتي قوي وضعيف في آن. قوي بقوة الشغور الرئاسي، بحيث لا يمكن أن يُقال بإقتراع على عدم الثقة، ولا يستطيع أن يستقيل لأن الحكومة مستقيلة أصلاً. وضعيف أمام قوة "الثنائي الشيعي"ومن ضعف الدولة وقلة إمكاناتها على تلبية حاجات اللبنانيين المسروقين المضروبين بأقسى الأزمات في تاريخ لبنان. هو إرتكب غلطة الشاطر التي دفعه إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في تأخير التوقيت الصيفي، ثم راح يلوم الذين احتجوا وفرضوا تصحيح الغلطة، وعاقب البلد بالإعتكاف عن تصريف الأعمال. وليته يكمل خطوته، فيقرر هو وكل الوزراء الإعتكاف والإمتناع عن القيام بأي عمل. لماذا؟ لعل هذا المأزق الذي لا سابق له أن يكون فرصة تجبر الكتل النيابية على الهرولة نحو إنتخاب رئيس للجمهورية يعيد إنتظام العمل الى المؤسسات.

لكن المخيف في الواقع السياسي المزري الذي وصل الى قعر التفاهة والعقم مع كثير من "العنتظة"، هو أن هذا الحلم مرشح لأن يكون كابوساً. فالأفق مسدود. والوضع الداخلي في جمود كامل لا حركة على سطحه إلا للغرائز والشتائم والسجالات المضحكة المبكية. ساعة الإستحقاق الرئاسي المعطلة بالقوة منذ أيلول الماضي، تفتقر الى القدرة، بصرف النظر عن الرغبة، على تحريكها. وما يبدو تحريكاً هو مجرد مباراة بين طرفين في العجز عن ضمان النجاح للمرشح الذي يريده كل منهما. طرف يصر على أن يكون التحريك حسب التوقيت الذي يخدم مشروعه ليكون لبنان إطاراً لصورة هي المقاومة الإسلامية، ويرفض أي بحث في الأسماء. وطرف يريد التحريك على التوقيت الذي دقت ساعته لمواجهة الخطر الوجودي وإستعادة لبنان والجمهورية من الأسر، مع الإستعداد للبحث في الأسماء.

والنتيجة، تكراراً، هي العجز، برغم الخطاب العالي، عن "لبننة" الإستحقاق الرئاسي والرهان على الداخل. واللعبة تدور الآن بين أميركا وفرنسا والسعودية وإيران. لكن هؤلاء اللاعبين يرفضون علناً تبني أي اسم، ويطالبون المختلفين في الداخل بالتفاهم على اسم ليدعموه هم. وهذه لعبة لا نهاية لها. فما في الميزان هو مستقبل الجمهورية، لا مجرد إنتخاب رئيس. وما في الحسابات الإستراتيجية والجيوسياسية للقوى الخارجية هو موقع لبنان في مشاريع مختلفة.

ومن المبكر حالياً، وسط الرهانات على الإتفاق السعودي-الإيراني برعاية الصين وضمانها، وفي إطار تحولات إقليمية ودولية دراماتيكية تتجاوز التركيز على حرب أوكرانيا، رؤية أمرين بوضوح. الأول هو المشهد الكامل لتبلور الصورة ما دامت الأحداث في سيولة. والثاني هو تصور مشروع واحد لنظام إقليمي جديد ضمن نظام عالمي جديد. حتى بعد "إتفاق بكين"، فإن الدكتور كمال خرازي رئيس اللجنة الإستراتيجية للعلاقات الخارجية في مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، قال: "إن زيارتي الى دمشق وبيروت هدفها الوصول الى إنطباعات إستراتيجية عن أوضاع سوريا ولبنان، وهذا يظهر مستوى تأثير السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة".

يقول كارل ماركس: "إن الأفراد يصنعون التاريخ، ولكن ليس بالضرورة بالطريقة التي يختارونها". لكن في لبنان قوى تريد إلغاء التاريخ وبالطريقة التي تختارها. وهذه مهمة مستحيلة وخطيرة.


MISS 3