النباتات "تصرخ" عالياً لكننا لم نسمعها حتى الآن

02 : 00

يبدو أن الكاتب البريطاني رولد دال كان محقاً في نهاية المطاف: النباتات تصرخ حين نؤذيها! يصدر هذا الصوت من النبتة على أرض الواقع، لكن ليس بالطريقة التي يصرخ بها البشر، إذ تُصدِر النباتات صوت فرقعة أو نقر وفق ترددات الموجات فوق الصوتية خارج نطاق السمع البشري، وترتفع هذه الأصوات حين تضطرب النبتة. يقول العلماء إن هذه العملية قد تكون واحدة من الطرق التي تستعملها النباتات للتعبير عن ضيقها أمام العالم المحيط بها.



توضح عالِمة الأحياء التطوري، ليلاك حداني، من جامعة تل أبيب في إسرائيل: "حتى لو كان الحقل هادئاً، تَصدُر أصوات لا نسمعها وتحمل معلومات معيّنة. تستطيع حيوانات محددة أن تسمع تلك الأصوات، ما يعني احتمال حصول مستوى هائل من التفاعلات الصوتية. تتفاعل النباتات مع الحشرات وحيوانات أخرى طوال الوقت، ويستعمل جزء كبير من هذه الكائنات الصوت للتواصل مع البيئة المحيطة، لذا من المستبعد ألا تستخدم النباتات الأصوات مطلقاً".

لا تكون النباتات في اللحظات العصيبة جامدة بقدر ما نظن، فهي تخوض تقلبات جذرية ويتعلق أبرز تغيير قابل للرصد (من البشر على الأقل) بإطلاق كمية من الروائح القوية والجميلة. يمكنها أن تغيّر لونها وشكلها أيضاً. قد تشير هذه التغيرات إلى مخاطر مطروحة على نباتات أخرى مجاورة، فتردّ هذه الأخيرة عبر تقوية دفاعاتها أو تجذب الحيوانات للتعامل مع الحشرات القادرة على إيذاء النبتة.

لكن لم يستكشف العلماء بالكامل قدرة النباتات على بث أنواع أخرى من الإشارات، بما في ذلك الأصوات. منذ بضع سنوات، اكتشفت حداني وزملاؤها أن النباتات تستطيع رصد الأصوات. كان السؤال المنطقي اللاحق يتعلق بقدرتها على إصدار تلك الأصوات أيضاً.

لاكتشاف الجواب، سجّل الباحثون نشاط نباتات البندورة والتبغ في عدد من الظروف المتنوعة، فركّزوا أولاً على نباتات مسترخية لاستعمالها كمرجع أولي، ثم سجّلوا نشاط نباتات جافة وأخرى قُطِعت جذوعها. حصلت هذه التسجيلات في البداية داخل غرفة صوتية عازلة للصوت، ثم في بيئة الدفيئات الزراعية العادية.

في المرحلة اللاحقة، درّب العلماء نظاماً للحلول الحسابية يقوم على التعلم الآلي بهدف التمييز بين الأصوات التي تنتجها النباتات المسترخية أو النباتات المقطوعة والجافة.

تشبه الضجة التي تصدرها النباتات أصوات الفرقعة أو النقر بترددٍ يفوق قدرة البشر على سماعه، ويمكن رصدها ضمن شعاع يفوق المتر الواحد (3.3 أقدام). لكن لا تُصدِر النباتات المسترخية أي ضجة، بل إنها تتابع عملها الاعتيادي بكل هدوء.

في المقابل، تُصدِر النباتات المضطربة ضجة أقوى بكثير، فتبث حتى 40 نقرة في الساعة، بحسب نوع النبتة. كذلك، تتسم النباتات المحرومة من المياه بأصوات لافتة، فهي تبدأ ببث أصوات نقر متزايدة قبل أن تظهر عليها مؤشرات الجفاف بوضوح، وتتصاعد هذه الأصوات عندما تزداد النبتة جفافاً قبل أن تتلاشى حين تذبل.

تمكّن نظام الحلول الحسابية من التمييز بين تلك الأصوات، فضلاً عن تحديد نوع النبتة التي تصدرها. ولم تقتصر النباتات الخاضعة للدراسة على التبغ والبندورة، فقد اختبر الباحثون مجموعات نباتية متنوعة واكتشفوا أن إنتاج الأصوات نشاط شائع جداً وسط النباتات على ما يبدو. سُجّلت نشاطات نباتات القمح، والذرة، والعنب، والصبار، وهي تُحدِث ضجة.

لكن تتعدد المسائل التي لا تزال مجهولة. لم تتضح مثلاً طريقة إصدار تلك الأصوات. في الأبحاث السابقة، تبيّن أن النباتات الجافة تمرّ بعملية تجويف حيث تتشكل فقاعات هواء في الجذع ثم تتوسّع وتتلاشى. عند طقطقة أصابع البشر، تنتج هذه العملية صوتاً مسموعاً. ربما تحصل عملية مشابهة مع النباتات.

لا نعرف بعد ما إذا كانت ظروف عصيبة أخرى قادرة على إنتاج الأصوات أيضاً. قد تبدأ النباتات بإصدار أصوات فرقعة، بما يشبه الفقاعات الهوائية، بسبب مسببات الأمراض، والاعتداءات، والتعرض للأشعة فوق البنفسجية، ودرجات الحرارة القصوى، وظروف معاكسة أخرى.

في غضون ذلك، لم يكتشف العلماء بعد إذا كان إنتاج الأصوات شكلاً من التطور التكيّفي لدى النباتات أو مجرّد عملية طبيعية. لكن استنتج الباحثون في المقابل أن نظام الحلول الحسابية قد يتعلّم كيفية رصد أصوات النباتات والتمييز بينها. حتى أن كائنات حيّة أخرى قد تكون قادرة على القيام بالمثل.

كذلك، قد تتعلم تلك الكائنات التجاوب مع الضجة الصادرة عن النباتات المضطربة بطرق متنوعة. توضح حداني: "قد يستعمل العث الذي يريد وضع بيضه فوق نبتة، أو الحيوان الذي يريد التهام النباتات، الأصوات لتوجيه قراره". لكن تكون التداعيات واضحة جداً بالنسبة إلى البشر، فقد نتفاعل مع نداء الاستغاثة الذي تطلقه النباتات العطشى ونرويها قبل أن تظهر المشاكل.

على صعيد آخر، لم يتأكد الباحثون بعد من قدرة نباتات أخرى على الاستشعار والتجاوب مع محيطها. كشفت أبحاث سابقة أن النباتات قد تزيد مستوى تحمّلها للجفاف رداً على الأصوات، ما يجعل هذا الاحتمال ممكناً. ينوي العلماء التركيز على هذه النقطة في المرحلة المقبلة من أبحاثهم.

تضيف حداني: "الآن وقد عرفنا أن النباتات تبث الأصوات فعلاً، يتعلق السؤال المقبل الذي نحاول استكشافه بتحديد الكائنات القادرة على سماع تلك الأصوات. نحن نحلل في الوقت الراهن استجابات الكائنات الأخرى (حيوانات أو نباتات) تجاه الأصوات. كما أننا نستكشف قدرتنا على تحديد الأصوات وتفسيرها في البيئات الطبيعية بالكامل". نُشرت نتائج البحث في مجلة "الخلية".


MISS 3