خالد أبو شقرا

كل الطرق تقود إلى جيب المواطن

الضريبة المقنّعة

16 تموز 2019

09 : 31

لجنة المال والموازنة مجتمعة في المجلس النيابي ( أرشيف)
بمبادرة "صناعية"، تقدّم النائب ميشال ضاهر باقتراح قانون لوضع رسم 2 في المئة على السلع المستوردة، وذلك بهدف خلق صندوق تُستخدم عائداته المقدرة بحدود 350 مليون دولار في دعم وتنمية الصناعة الوطنية. ومن هناك بدأت مسيرة صعود وهبوط الـ 2 في المئة، لتعود بعد كل السيناريوهات التي رسمت لها أقسى مما كانت عليه.



الحكومة المتخبطة في البحث عن إيرادات تغطي عجز الموازنة الكبير (4.5 مليارات دولار)، وتظهرها بصورة حسنة امام مقرضي "سيدر"، تلقفت فكرة زيادة 2 في المئة على السلع المستوردة. لكنها لم تُعِر أي اهتمام للهدف الصناعي من وراء إنشاء الصندوق. وكل ما رأته هو 350 مليون دولار إيرادات إضافية تُسهم في تخفيض العجز. فتقلصت حصة الصناعة في قرار الحكومة الى 35 في المئة، وتكاثرت الاجتهادات حول توزيع المبالغ الباقية بين إسكان وزراعة، لتعود الحكومة وتحسم الجدل بتخصيص عوائد الصندوق الى خزينة الدولة. 


وعند وصول مشروع القانون إلى مجلس النواب، علّقت لجنة المال النيابية الرسم المذكور، وطلبت من الحكومة إعداد مشروع بديل يؤمّن إيرادات مالية، ويكون أخف وطأة من سابقه. فكانت النتيجة تقديم ملف يتضمن إضافة رسم جمركي يتراوح بين 2 و7 في المئة على ما يقارب 1500 سلعة. "بدل ما يكحلوا عموا"، تعلق مصادر لجنة تجار بيروت على الإجراء الأخير، إذ بالإضافة إلى الإستنسابية بتحديد السلع، والخلاف الكبير على ما هو كمالي وما هو أساسي، فان وصول رسم الإستيراد الإضافي إلى 7 في المئة سيخلق حالة من التضخم في البلد، وستتجاوز قيمته الحقيقية الـ 10 في المئة.

3 % بالإجماع

"لكن حتى هذا القرار رفض"، يقول عضو لجنة تجار بيروت باسم البواب. ويضيف نقلاً عن مصادر رئيس الحكومة، أن "دفة مختلف الأحزاب، (باستثناء حزب الله، الذي يؤيد رسماً محدداً على 1500 سلعة)، قد اتفقت على إعادة الرسم الجمركي على كل السلع المستوردة، لكن هذه المرة مع الأسف بنسبة أعلى حُددت بـ 3 في المئة". يُرجِّح البواب، أن ما يُطرح في النهاية على التصويت في الجلسة العامة يبدو صادماً، ويطرح الكثير من علامات الإستفهام عن دور الكتل المشاركة في لجنة المال، ومساهمتهم في تهريب القرار إلى الجلسة العامة، والتصويت عليه تحت ضغط الحاجة وعدم توفر البديل. فاجتماع السراي نهاية الأسبوع الماضي، خلص إلى أن فرض رسم على 1500 سلعة ما زال غير جاهز. وهو سيسبب الكثير من المشاكل نتيجة تداخل صلاحيات أكثر من جهة، ولن يؤمن في النهاية الأموال المطلوية. وبالتالي فإن العودة إلى الطرح الأساسي بفرض رسم 3 في المئة على المستوردات كافة يعتبر الأنجح والأفعل والأسرع.

وبحسب البواب، "لا يوجد مهرب من هذا الرسم مهما جهدنا في تقديم بدائل منطقية، كالحد من التهريب وإقفال المعابر ووقف الهدر والفساد، أو حتى مهما حذّرنا من نتائجه الكارثية على القدرة الشرائية، والإقتصاد". وعما إذا كان هذا الإجراء أخف وطأة من الرسم على السلع الإنتقائية، يقول إن "كل الطرقات التي يحاولون سلوكها لتعزيز الإيرادات تقودنا إلى الخراب. فالرسم بقيمة 7 في المئة على سلع محددة ستتجاوز مفاعيله التضخمية الـ 10 في المئة، وهو أخطر بتقديري من رسم 2 في المئة، الذي نجحنا في التصدي له، خصوصاً بالسرعة التي حددت فيها السلع، واختلاط المعايير بين ما هو كمالي وما هو أساسي".

خوف البواب يؤكده روني، صاحب متجر لبيع الأدوات الكهربائية، "فمن خلال خبرتنا وعملنا في السوق نلاحظ أن الأسعار ترتفع علينا بضعف الرسم الجمركي، مما يضطرنا إلى رفع سعر البيع بالتجزئة بالنسبة نفسها ونقله إلى الزبون، وهو ما يدفع في النهاية إلى موجة كبيرة من إرتفاع الأسعار". السعر المضاعف عند روني، سوف يُضرب بأربعة أو خمسة في قطاع بيع السيارات المستعملة، وبحسب إيلي، أحد أصحاب معارض السيارات، فإن "سعر السيارة في حال أضيف رسم 3 في المئة على الإستيراد سيرتفع بما لا يقل عن 500 دولار أميركي. فـبالإضافة إلى دفع رسم الإستيراد على السيارة، سوف نضطر الى دفع 3 المئة أو أكثر على كل قطعة نستبدلها كالإطارات والمساحات، والبطارية وغيرها الكثير من الأمور التي تحتاجها السيارة المستوردة، لتعرض بحلتها النهائية وتصبح جاهزة للسير".

"طابة" الصناعة

الصناعيون الذين لا يصدّقون إغداق الدولة عليهم بالدعم المفاجئ، ما زالوا غير مدركين للنتائج المباشرة التي قد تترتب على زيادة رسوم الإستيراد. وتفيد مصادرهم أن مجلس النواب سيسير بإقرار الرسم من 2 الى 7 في المئة على 1500 سلعة، ما زالت تحضّر ملفاتها بين وزارة الصناعة وجمعية الصناعيين! "في النهاية تتحكم السياسة بكل شيء، يتفقون على قرار ثم يعدلونه ومن ثم يلغونه بعد رفضه من جهة ما...وهكذا دواليك"، يقول عضو جمعية الصناعيين بول أبي نصر، في معرض رده على الجدل القائم حول موضوع الرسم الذي يمكن أن يُعتمد. ويضيف أن "فرض الرسوم الحمائية على سلع محددة أفضل بالنسبة للإقتصاد، ونحن لا يمكن أن نحدد موقفنا منه، إلا بعد صدوره بشكل قانوني وكامل. ولكن بشكل عام، فإن هذه الرسوم لن تؤدي إلى زيادة الأسعار كما يشاع. إذ بإمكان المستهلك شراء المنتجات الوطنية المماثله بأسعارها العادية". وعما إذا كانت الصناعة ستستفيد من إيرادات الرسوم كما كان الإقتراح الأول، لا يبدي أبي نصر موقفاً متفائلاً فـ "ليس هناك في القانون تقسيم لإيرادات الضرائب والرسوم المجباة".

مقابل الضبابية التي تحوط بالملف-الإشكال، نجحت الدولة في استخدام الصناعة كشماعة لزيادة الإيرادات، فاستثمرت كل مطالب الصناعيين التاريخية مرة واحدة، وبفترة زمنية قياسية. ومهما كان الحل النهائي الذي سيقرره مجلس النواب، فإن طريقه سيمر حكماً في جيب المواطن.


MISS 3