ريتا ابراهيم فريد

الانتفاضة موثّقةً بالصور... ذاكرة الأجيال المقبلة

4 آذار 2020

12 : 22

مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المصوّرين الفوتوغرافيين الذين يواكبون الانتفاضة في لبنان منذ 17 تشرين الأول. حيث أنّ مهمّتهم لا تقتصر على توثيق اللحظة، بل لكونهم يصنعون أرشيفاً لحقبة تاريخية ومفصلية في لبنان، ويضعون لمساتهم على الجزء الملموس من ذاكرة الأجيال المقبلة. ورغم كل المضايقات والاعتداءات التي تعرّضوا لها، بعض المصوّرين استطاع باحترافيّته أنّ يخلق روحاً وحياةً في صوره، فأصبحت الصورة بحدّ ذاتها ثورة تصرخ مع المتظاهرين وتهتف بمطالبهم، وتساهم في صناعة التغيير.


حسين بيضون : الصورة تُضاهي ألف كلمة



حروب عدّة عاشها لبنان منذ العام 1975، برز فيها عدد كبير من الصور، في مقابل صور أخرى مُنعت من النشر بسبب التضييق على الحريات الإعلامية. وبالتالي عجزت الصور عن تشكيل أرشيف لبعض هذه الحقبات. لكن بعد عامي 2011 و2015، ثم انتفاضة 17 تشرين، أصبح للصور معنى أكبر، بحسب ما يشير المصوّر حسين بيضون.

ويضيف في حديث لـ"نداء الوطن" أنّ دوره كمصوّر صحفي أن ينقل ما يجري على الأرض من أحداث من جهة، كما أنّه يؤرّخ الصورة لتنضمّ الى أرشيف تاريخ البلد من جهة أخرى. وأضاف أنّه مع التطوّر التكنولوجي أصبح الناس يميلون أكثر الى التصوير وتأريخ اللحظات، بدءاً من حياتهم الشخصية وصولاً الى الأحداث الوطنيّة، ومن هُنا أصبح للصورة تأثير أكبر.

من ناحية أخرى أشار بيضون الى أنّ هناك أخلاقيات يجب على المصوّر احترامها أثناء تأدية واجبه المهني، فالمسؤولية كبيرة جداً على عاتق المصوّرين في توثيق اللحظات الوطنية والأحداث التي تمرّ بها البلاد، وصورهم هذه ستكتب التاريخ الحديث للبنان والذاكرة الجماعية للشعب.

وعن تغطيته للإنتفاضة، لفت حسين الى أنّ الصورة تنقل وتترجم الواقع كما هو، ولا يمكن أن تأخذ طرفاً. وإذ يرفض القول إن هذه الصورة أو تلك ستحصّل حقّ المتظاهر، يقول :"لكن حين نلتقط صورة لمتظاهر يصرخ بقوة للمطالبة بحقوقه، فهذه الصورة يمكن أن تضاهي ألف كلمة".

وهُنا يصرّح بأنّ أكثر الصور التي أثّرت به شخصياً هي التي التقطها أثناء العرض المدني لمناسبة عيد الاستقلال، إضافة الى صور التقطها خلال لقاء أهالي الرينغ وأهالي الخندق الغميق.

واعتبر أنّها وثّقت تعارف اللبنانيين بين بعضهم البعض، وأوضح قائلاً :"نحن اللبنانيين نحبّ وطننا لكننا لا نعرف بعضنا. حتى في طرابلس أبناء شوارع معينة لا يعرفون أبناء شوارع أخرى. وفي بيروت مثلاً أبناء طريق الجديدة لم يدخلوا الى منطقة بربور مثلاً والعكس صحيح، علماً أن المسافة التي تفصلهما عن بعضهما لا تتعدّى الدقيقة الواحدة". 

المصوّر حسين بيضون



بعدسته







حسن شعبان : الصورة صوت إضافي ينقل المطالب


قد يكون المصوّر بطبيعة عمله غير قادر على الإنضمام مباشرة الى صفوف الثوّار، لكن يمكنه أن يشارك بقوة في التظاهرات من خلال صوره. وفي هذا الإطار، يشير المصوّر حسن شعبان لـ»نداء الوطن» الى أنّ الصورة هي صوت إضافي يساهم بنقل مطالب المتظاهرين.

فالمصوّر في نهاية الأمر هو مواطن يحمل مطالبه وهمومه مثل كل المواطنين. ويضيف شعبان الذي تعرّض لاعتداءات عدّة خلال تغطياته، أنّ المضايقات التي تواجه المصوّرين غالباً، تحول دون قيامهم بواجبهم كما يجب. وعوضاً عن التركيز على عملهم، ينشغلون بالتخفّي وبحماية أنفسهم من الاعتداءات من أيّ جهة كانت.

هذا وأشار الى أنّ الصور هي أرشيف للمستقبل، وقال :»كما أنّ قدامى المصوّرين يملكون صوراً من الحرب الأهلية في أرشيفهم، كذلك نحن اليوم نصنع أرشيفنا الخاص للأحداث التي تجري في بلدنا في هذا الزمن. وسيأتي الوقت الذي ستكون فيه صورنا مرجعاً للجيل المقبل من المصوّرين».

شعبان الذي يؤكّد أنّه يسعى في صوره الى نقل وجع الناس وليس رفاهية الأحزاب، يلفت الى أنّه في وقت كان البعض يحاول أن يُظهر أنّ أعداد المتظاهرين في الساحات قليلة جداً، قام بنشر صور أظهرت حقيقة الحشود الكبيرة الموجودة في الساحات.

ويضيف أنّ هناك صوراً كثيرة أثّرت به، من بينها صورة التقطها خلال انعقاد جلسة إعطاء الثقة للحكومة الجديدة، وتظهر فيها إمرأة تقف أمام القوى الأمنية وتقوم بقطع الطريق. ووضع لها عنوان «إمرأة بألف إمرأة». 

المصوّر حسن شعبان


بعدسته






محمد سلمان: لبراعة المصوّر دور أساسي في نقل الصوت


من جهته، يشير المصوّر محمد سلمان لـ"نداء الوطن" الى أنّ الصور هي نقل للمشاهد الحية للانتفاضة من جميع جوانبها، بين المسيرات والاعتصامات وإقفال الطرقات والإشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية.

وبحكم تواجد المصوّرين في الساحات، يقومون بتوثيق هذه اللحظات. ويضيف أنّ مسؤولية المصوّر تلزمه بنقل الحقيقة كما هي كي تبقى في ذاكرة للأجيال المقبلة، "خاصة في ظلّ هذا الحدث التاريخي الذي لم يشهد مثله لبنان من قبل"، حسب قوله. وتابع أنّه خلال مواكبة الأحداث الصعبة التي يشهدها لبنان في هذه الفترة، تمّ التقاط لحظات كثيرة معبّرة نقلت صوت الجماهير الموجودة في الساحات، إضافة الى المطالب والأوضاع المعيشية الصعبة التي انتفض اللبنانيون بسببها، مؤكّدا أنّ براعة المصوّر تلعب هُنا دوراً أساسيّاً في نقل صوت إضافيّ عبر صوره.

من ناحية أخرى، أكّد أنّ عدداً كبيراً من الصور التي التقطها منذ 17 تشرين حتى اليوم تحتلّ مكانة كبيرة في قلبه، لكنّه يشير الى لقطة مميّزة أثّرت به شخصياً، وكان قد صوّرها في اليوم الثاني من الانتفاضة في ساحة رياض الصلح وسط أعداد كبيرة من المتظاهرين، وهي صورة لعلم لبناني مزروع وسط حقل من الأيادي المرفوعة عند إلقاء النشيد الوطني، والتي ترمز الى توحّد اللبنانيين من جميع الطوائف.

المصوّر محمد سلمان


بعدسته