حسان الزين

"الفيميه" والنمر المميزة والثورة المضادة

7 نيسان 2023

02 : 00

تنتشر بكثافة، في لبنان، السيارات المفيّمة (الزجاج الداكن) والنمر (اللوحات) المميزة.

تنتشر إلى درجة يمكن معها اعتبار الأمر ظاهرة.

وقد بات الاستغراب، أو الذهول، أمام ذلك فيما البلد عموماً، وليس الاقتصاد فحسب، ينهار، ردّة فعل ساذجة وتنتسب إلى ثقافة قديمة ولغة خشبية.

فالظاهرة تنتشر بعد انتفاضة ضد العصابة الحاكمة وسياستها وفسادها وسطوها على مقدّرات الدولة والثروة المجتمعية، وضد احتكار السلطة والدولة ومؤسّساتها وانتهاك القوانين وتعليق الدستور ورهن البلد للخارج والمجهول.

وفيما لم يُعالج من أسباب قيام الانتفاضة سببٌ واحدٌ، ولا حُقق لها مطلبٌ، فُتحت أبوابُ الفساد على مصراعيها. وإن لم يكن ذلك متعمّداً، فإنه كان طبيعيّاً في ظل حكم قوى سياسية فاسدة مفسِدة وانحسار الرقابة والمحاسبة وتعطيل مؤسساتهما.

آنذاك، بدا لقوى السلطة أنه إضافة إلى جماهيرها التي تطلب فئات واسعة منها الخدمات، هناك زبائن كثر للفساد. وهم من جماهير الأحزاب ومن خارجها. وتحت جنح الظلام، وفي ظل انهيار الليرة أمام الدولار، قبّ الفاسدون الباط للواسطة. لم تعد ملزمة المرور عبر القوى السياسية والزعامات. صارت، برعاية قوى السلطة وحمايتها، تصل مباشرة إلى مؤسسات الدولة وإداراتها، وحتى عبر المداخل الخلفية إذا ما كانت الأبواب الرسمية للمؤسسات والإدارات مغلقة.

هكذا، لم يُفتح كنز الفساد أمام قوى السلطة فحسب، وقد دعمته سياسة الدعم التي مارستها حكومة حسان دياب، إنما مكّن ذلك قوى السلطة من مواصلة "الثورة المضادة". وعلى رغم أن زبائن الفساد ليسوا كياناً سياسيّاً، إلا أنهم حليفٌ شعبيٌّ، إن لم يكن لقوى السلطة فللفساد والفلتان والفوضى وتآكل الدولة ومؤسساتها وإداراتها.

عندها، ولأسباب أخرى سياسية واقتصادية، ثمّ صحّية (كورونا)، ارتاحت قوى السلطة. وانتقلت في "الثورة المضادة" من المستوى السياسي، والاعتداء المباشر على الانتفاضة والمنتفضين والمنتفضات، إلى المستوى الاقتصادي: شرّعت اقتصاد الأزمات والسوق السوداء وفلتان الأسعار... وبالتزامن، انتقلت إلى المستوى الثقافي والقيمي والأخلاقي: غذّت إفساد المجتمع بعدما أفسدت الدولة ومؤسساتها.

وظاهرة انتشار السيارات المفيّمة واللوحات المميّزة إحدى نتائج تلك السياسة. لقد حوّل فسادُ قوى السلطة وإفسادُها الدولةَ ومؤسساتها وإداراتها إلى سوق أو دكّان لتلبية الرغبات الشعبية في زجاج داكن هنا ولوحة مميّزة هناك... ومآرب أخرى.

وتَهافت المتهافتون الراغبون في صوغ صورة الارتقاء الاجتماعي والتفوّق والنفوذ. وهم كثيرون. وفيما يعرف هؤلاء، واللبنانيون واللبنانيات عموماً، أن حصولهم على تلك المظاهر يجري عبر خرق القوانين، لم يغضّوا النظر عن الفساد ويحموه فحسب، بل أسهموا ويُسهمون في تعميمه وتحويله إلى ثقافة اجتماعية. ومقابل ذلك، يحصلون على وهم التفوّق والنفوذ، ولو كان مغمّساً بالفساد والتسلّط.

وهذا ما تريده قوى السلطة وفاسدوها في مؤسسات الدولة وإداراتها. لِمَ لا؟ فتلك سوق رابحة لهم، في المال وفي السياسة وفي الثقافة الاجتماعية، إذ تتعمّم ثقافة الفساد والإحباط، وتتكرر عباراتها الممجوجة: إن لبنان لا يتغيّر، والفاسدون ليسوا السياسيين والأحزاب وحدهم، إنما هو "الشعب" شريك.

عشتم وعاش لبنان.