جاد حداد

War Sailor... ملحمة مؤلمة عن الحرب العالمية الثانية وصدماتها النفسية المستمرة

7 نيسان 2023

02 : 00

يعرض الفيلم الدرامي War Sailor (بحّارة الحرب)، للمخرج والكاتب غونار فيكيني، حياة صديقَين مقربَين تُجنّدهما قوات الحلفاء أثناء وجودهما في البحر، والجهود التي يبذلانها بعد الحرب للتكيّف مجدداً مع الحياة المدنية.

إنها قصة مبهرة عن صديقَين شجاعَين يعيشان صدمات نفسية، وتترافق الأحداث مع مشاهد حركة محتدمة، وتحليلات نفسية عميقة، ووصف مؤثر لتداعيات الحرب المستمرة وسط عائلات المحاربين. تتّسم هذه القصة المؤثرة بشخصيات متقنة وأداء تمثيلي مميز يضمن جذب المشاهدين على مر الفيلم الممتد على ساعتين ونصف.

تتراوح أحداث القصة بين العامين 1939 و1972، وهي مستوحاة من أشخاص حقيقيين. يعمل الصديقان القديمان "ألفرد" (كريستوفر جونير) و"سيغبيورن" (بال سفير هاغن) (يُعرَفان على التوالي باسمَي "فريدي" و"والي") في ميناء مدينة "بيرغن". وعندما تتراجع الأعمال في الميناء، يوافقان على عرض بالإبحار على متن سفينة شحن إلى نيويورك، مع أن "ألفرد" يتردد في ترك زوجته "سيسيليا" (إين ماري ويلمان) وأولاده الثلاثة طوال 18 شهراً. بعد غرق سفينة نروجية قبالة هولندا، تقتنع ابنتهما القلقة "ماغي" (هانريكي لوند أولسن) بأن "ألفرد" سيتعرض للقتل. لكن تنتزع "سيسيليا" وعداً من "والي" بأن يعيد لها زوجها إلى دياره سالماً.

في مشهد مؤثر بعد مرور بضعة أشهر، يثبت "ألفرد" أنه رجل مبادئ حين يتحدى الأوامر وينقذ طاقم السفينة الضائع في منتصف المحيط الأطلسي. لكن عندما يوبّخه قبطان السفينة (نيلز أوف سورفيك)، يتلقى خبراً سيئاً آخر مفاده أن قوات الحلفاء تدير السفن التجارية وأن الألمان احتلوا النروج. يقضي خيار الطاقم الوحيد بالبقاء على متن السفينة والمشاركة في جهود الحرب، أو القفز من السفينة واعتبارهم خونة ووضعهم على القائمة السوداء في شركات الشحن.

يعجز "ألفرد" خلال هذه الفترة عن إرسال أي رسائل بسبب الاحتلال، ويتنقل المقاتلون على مر السنوات بين موانئ ليفربول ومالطا وصولاً إلى نيويورك في العام 1944. هو يكنّ مشاعر أبوية تجاه "أكسيل" (ليون توبياس سليتباك)، الفتى الذي أنقذه في البحر، وهو أكبر بقليل من ابنه الكبير "ويليام" (أرماند هانستاد). في غضون ذلك، تثبت الشابة "هانا" (ألكسندرا جيربين)، التي تشكّل جزءاً من طاقم السفينة، أنها مساوية لأي رجل بفضل شجاعتها الفائقة.

يحصل "أكسيل" و"هانا" على خيار البقاء في نيويورك قبل أن تتجه سفينتهما إلى ممر "مورمانسك" وهي تحمل موادّ حربية وتعبر المحيط الأطلسي عبر مواكب خطيرة تمرّ بالقطب الشمالي. لكنهما يقرران البقاء تضامناً مع البحّارة الآخرين، ما يُمهّد لمشاهد صادمة في البحر وانتظار طويل وعقيم لفِرَق الإنقاذ تزامناً مع تصاعد عدد الوفيات. تصبح حصيلة تلك الخسائر ثقيلة على "فريدي" بالذات.

تقدّم إين ماري ويلمان عدداً من المشاهد المؤثرة والهادئة في آن بدور "سيسيليا"، لا سيما حين تحاول التأقلم مجدداً مع الحياة بعد الحرب، وتضفي الممثلات الثلاث بدور "ماغي" في مختلف مراحلها العمرية (هانريكي لوند أولسن، وتيا غرونر جونير، وسيف تورين كنودسن بيترسن) طابعاً عاطفياً لافتاً على مشاهدها، بدءاً من تقلبات طفولتها المؤثرة وصولاً إلى أجواء الهدوء والقلق التي تطغى على حياتها في سن الرشد. يستحق الأولاد الثلاثة الذين يقدمون دور "ألفرد" و"سيسيليا" في مختلف المراحل العمرية الإشادة، فقد كان اختيارهم صائباً.

يتمحور الفيلم حول المخاوف المؤلمة التي يعيشها الناس بسبب غياب قنوات التواصل وتراجع المعلومات الدقيقة، فتُسبب هذه الشكوك أضراراً نفسية قد تدوم لأجيال طويلة، وهي توازي بتأثيرها وحشية الحرب والمعاناة الجسدية التي ترافقها. يُعتبر الفيلم في المقام الأول تحية مؤثرة للبحّارة المدنيين في قوات الحلفاء، ولا تقتصر هذه التحية على النروجيين بل تشمل أيضاً الكنديين، والأميركيين، وكل من قدّم خدماته بطريقة مشرّفة لكنه حُرِم من الحقوق التي حصل عليها المجندون العسكريون خلال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية لأن غياب زيّهم العسكري وميدالياتهم أضعف قيمة تضحياتهم للأسف. يحمل الفيلم إذاً طابعاً حزيناً قد يرافق المشاهدين لفترة طويلة.