سناء الجاك

قضايا الفساد والإفساد

12 نيسان 2023

02 : 00

يتعرّف اللبنانيون على نمط جديد من أنماط الكشف عن قضايا الفساد، الذي ينخر عظام دولتهم. وميزة هذا النمط أنّه خرج من محلّيته الضيّقة إلى المجتمع الدولي، ليسمّي المتّهمين بأسمائهم، ولا يجَهِّلهم، كما كانت الصيغة التي تكشف كلّ أوراق هذه القضايا وتتحفّظ على المرتكبين.

وفي الأمر ما يشي بانهيار قد يطيح بأحجار دومينو تركيبة أصحاب المصالح المتساكنين تحت خيمة الودّ الانتفاعي، مهما اشتدّ وطيس معارك الخلافات السياسية في ما بينهم.

فالمعهود في قضايا الفساد والافساد لبنانياً، وربّما عالمياً، هو تطبيق قواعد ذهبية تنصّ على أن لا يتصرّف الفاسد وحده، لأنّ الفساد عمل جماعي يتطلّب مشاركة وتوثيق صلات، وتحديداً بين أفراد وجماعات مصادر قوتهم هي في كونهم فوق القانون، ولديهم مهارات نادرة تضعهم في خانة المحترفين الذين يجيدون التلاعب بالقانون، ويكبِّرون حجر الفساد كواقع لا يمكن التخلّص منه، لذا يكفي لعنه ولعن أشباحه كحالة وليس كجرم يرتكبه أشخاص، وأقصى الممكن حياله هو إثارة الملفّات ومن ثمّ سحبها من التداول.

لكن.. مع بداية الامساك بخيط التحقيق في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بارقة أمل بإصلاح ما، جدّي وحقيقي، وعوضاً عن الاكتفاء بالعقوبات التي تصدر أميركياً وأوروبياً وتشلّ من تطاوله، لتقتصر مهمّتها لبنانياً على التشهير والشهرة والمكابرة والتبرير والاستغلال السياسي، بدأت الملفات تتحوّل قضايا متماسكة وقوية، يتولّى قضاء حيادي خارجي متابعتها، وقد تستكمل بملاحقة فعالة... وإذا بلغت سدرة منتهاها، قد تسترجع الدولة اللبنانية بعض ما اختُلِس منها.

وفيه، أيضاً وأيضاً ردّ اعتبار، له متعته لكلّ مواطن يعاني من تأثير الفساد والإفساد على حياته الخاصة وبالمباشر، لا سيّما عندما يقرأ أنّ «وزارة الخزانة علّلت فرض العقوبات على الأخوين ريمون وتيدي رحمة على خلفية استفادتهما من «الفساد العام»، وأسندت اتهاماتها «باستخدام الثروة والنفوذ للانخراط في ممارسات فاسدة تسهم بالانهيار. وبينما يواجه اللبنانيون ضائقة اقتصادية وأزمة طاقة حادّة وخللاً سياسياً غير مسبوق، استخدم الشقيقان رحمة إمبراطوريتهما التجارية وعلاقاتهما السياسية لإثراء نفسيهما على حساب المواطنين».

أو عندما يطَّلِع هذا المواطن على مضبطة اتهام القضاء الفرنسي للوزير السابق ورئيس مجلس إدارة «بنك الموارد» مروان خير الدين والتي تنصّ على «تشكيل عصابة إجرامية بهدف القيام خصوصاً باختلاس أموال عامّة من قبل موظف عمومي على حساب الدولة اللبنانية وخيانة الأمانة وإفساد موظّف عمومي».

تشفي الغليل قضايا الفساد والإفساد. وتحديداً مع استعادة وجوه الفاسدين الممتلئة ثقة بالنفس والمحتقرة لكلّ من يتّهمهم لفظاً ومن دون دليل حسّي يؤدّي إلى مقاضاتهم، أو عندما يصار إلى رمي الأدلّة في سلّة مهملات الضمائر الميّتة للمسؤولين المتشابكة مصالحهم سياسياً وأمنياً وقضائياً، بما يحول دون المساءلة والاقتصاص العادل من المرتكبين.

لعلّ مثل هذا الطرح هو حلم لن يبصر النور، فالواقعية والتجارب تفرض عكس ذلك، مع وعي بأنّ الدول الكبرى تتوخّى الربح من كلّ ملف تطرحه، ولا تتحرّك وفق مفاهيم أخلاقية وقانونية.

واللبنانيون أكثر من غيرهم يعرفون طعم الخيبة من مجتمع دولي حاضر ليطوي ملفّات وصلت إلى خواتيمها، ولم يعد ينقص إلا إعلان الأحكام بعد تجميع الأدلّة وتأمين عناصر البيانات الاتهامية، وذلك لأنّ مصلحة هذه الدول فرضت أولوياتها، على حساب العدالة والنزاهة والشفافية، لتبقى قضايا أكبر وأخطر مجهولة... فما خفي كان أعظم... ربّما سيبقى.

ولكن «ما أضيق العيش لولا فسحة أمل» توفّرها محكمة غير لبنانية، لا يتأثّر قضاتها بزيارة مسؤول ما يطيّب خاطرهم ويطعم أيديهم فتستحي عيونهم... أو يهدّدهم فتنام الملفّات في أدراجهم؟؟


MISS 3