غادة حلاوي

المصارف والقضاء... على حدّ السياسة

6 آذار 2020

02 : 50

تحرّكات باتجاه المصارف مساء أمس (فضل عيتاني)

انكسرت أمس الجرّة بين القضاء المالي وجمعية المصارف. كلاهما وجد سمعته على المحكّ وحاول كسب المعركة لمصلحته. قبل أن يتضح أن المصارف انتصرت وجمعيتها على هيبة القضاء الذي اتخذ قراراً هو الأكثر شعبية، وأثبتت أن الدولة تعيش في كنفها وأنها الأكثر حضوراً وتأثيراً وقد استطاعت أن تضرب هيبة القضاء وتزيده انقساماً وترفع منسوب عدم تجانسه. وبقيت المصارف على ما يبدو، لا تسري عليها المساءلة والمحاسبة حتى وان أحكمت قبضتها على رواتب المواطنين وجنى عمرهم.

هل هو "قرار سياسي شعبوي" ذاك الذي أصدره القاضي علي ابراهيم أم أن الأخير بات على قناعة بعد أربعة ايام من مباشرة تحقيقاته مع أصحاب المصارف انها متورطة في الأزمة المالية وعليها أن تتحمل مسؤوليتها.

قرر ابراهيم أمس وضع إشارة "منع تصرف" على أصول عشرين مصرفاً لبنانياً وإبلاغها الى المديرية العامة للشؤون العقارية وأمانة السجل التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف وهيئة الأسواق المالية. وعمم منع التصرف على أملاك رؤساء مجالس إدارات هذه المصارف.

وأحدث القرار أزمة بين المصارف والقضاء، فظهرت حربهما إلى العلن مع مباشرة النيابة العامة المالية وللمرة الأولى في تاريخ لبنان إستدعاء اصحاب المصارف للتحقيق معهم على خلفية التحويلات المالية وتجميد أموال المودعين في المصارف. وسياسياً كان واضحاً الاختلاف على الخطوة حيث نقلت مصادر مطلعة انزعاجاً حكومياً من قرار القاضي ابراهيم، حيث كان الأجدى جرّ المصارف لتكون شريكاً في الحل لا التصادم معها، خصوصاً إذا ما اتخذت قراراً بالاقفال وزادت الأزمة المالية تعقيداً. في وقت كان في نية القضاء إخضاع المصارف وهز العصا في مواجهتها للقول إنها ليست فوق القانون.

والقرار الذي اعتبره البعض سياسياً هو من وجهة نظر قضائية مجرد "إجراء إحترازي" استند فيه القاضي ابراهيم إلى افادات عدد من رؤساء مجالس إدارات المصارف نتيجة التحقيقات التي أجريت معهم والتي لا تزال مستمرة. فخلال تلك التحقيقات بدا واضحاً أن أصحاب المصارف اتفقوا على جملة نقاط أدلوا بها خلال اعطاء افاداتهم. اذ تركّز التحقيق حول الهندسات المالية، وحجب أموال المودعين وتقنينها فيما السماح لمودعين آخرين بالتحويل الى خارج لبنان. كانت شهاداتهم كفيلة بأن تكوّن انطباعاً اولياً لدى المحققين بوجود شيء ما غير واضح في حركة المصارف واجراءاتها وتحويلاتها المالية. فهندساتها المالية منذ العام 2016 والتي كان يجب أن تكون من خلال أموال محصّلة من الخارج جرت بمعظمها عبر مصادر داخلية خلافاً للأصول بهدف جني مزيد من الارباح، وفي وقت تم تقنين سحوبات المودعين بغير وجه حق، تم التعاطي بإزدواجية مع العملاء بحيث سمح للبعض بتحويل الأموال إلى الخارج وحجبها عن البعض الآخر. وفي تبريرها لحجب الأموال عن المودعين اعتبرت المصارف أن أموالها لا تزال في عهدة مصرف لبنان الذي يحجبها عن المصارف، ما يحدّ من قدرتها على تلبية طلبات المودعين بالحد الذي يرضيهم.

وتجزم مصادر قضائية أن المدعي العام المالي أصدر قراره كإجراء احترازي موقت بعدما توافرت لديه بعض المعطيات التي من شأنها أن تدين المصارف.

وقالت إن المقصود حماية أموال المودعين، غير أن مثل هذا الاجراء لن يكون كافياً حيث أن الأصول للمصارف تعني العقارات والتجهيزات والشركات والسيارات وهذه لا تفي بالغرض في ما يتعلق بأموال المودعين، لكن الأهم هي الاشارة بعدم تصرف رؤساء مجالس الإدارات في أملاكهم الشخصية وهذه خطوة موجعة من ناحية الأملاك الخاصة لوجود رزمة مالية مستقلة عن الرزمة المالية للمصرف.

وأغضب القرار جمعية المصارف التي تحركت باتجاه مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات في محاولة لتجميد مفعوله أو سحبه من التداول بعدما كان محامو بعض المصارف تحركوا باتجاه النيابة العامة المالية مستفسرين عن الخطوة.

وإذا كان القاضي عويدات قرر تجميد مفاعيل القرار بانتظار درس مفاعيله النقدية على البلد، فإنّ المصادر القضائية تؤكد أن المدعي العام المالي سيمضي في تحقيقاته مع بقية المصارف واذا سارت الأمور بوتيرتها الطبيعية فالأرجح أن تنتهي في غضون أسبوع أو عشرة أيام من دون أن تستبعد مزيداً من الاجراءات التي يمكن أن تتخذ في ضوء ما سيستجد من معطيات.

مواجهة شرّعت الأبواب على مصاريعها بين سلطتين مالية وقضائية، فهل ستكون السياسة حدّها الفاصل أم سيقول القضاء كلمته؟


MISS 3