جاد حداد

Thicker Than Water... حين تتولّى المرأة إنقاذ عائلتها

19 نيسان 2023

02 : 00

يتميز مسلسل Thicker Than Water (أثقل من الماء) على شبكة "نتفلكس" بأداء تمثيلي واعد. تحاول أربع نساء مختلفات لكن قويات إثبات قدرتهنّ على الصمود والتفوّق في هذا العالم الذكوري الصعب. تنتمي هذه الشخصيات النسائية إلى أسرة مسلمة، ما يؤكد أهمية العائلة في جميع الظروف. عندما تفضح "فرح" الاستراتيجية الإخبارية المزيفة لقناة "24 نيوز"، تكاد تتعرّض للطرد، فتقف عائلتها إلى جانبها وتُشجّعها على التمسك بقوتها والإيمان بالله. وعندما يقع شقيقها "سليم" في ورطة، تضع النساء الأربع خطة لحل المشكلة من دون أن يعرفن أن تعقيدات أخرى تنتظرهنّ.

تعرض الحلقات المتلاحقة الأحداث الدرامية الحاصلة داخل تلك الأسرة المسلمة وصراعها للصمود في بلدة تعتبرها دخيلة عليها. عند البدء بمشاهدة المسلسل، قد نظن أننا نوشك على متابعة قصة أخرى تُصَوّر المسلمين كإرهابيين، لكن يقدّم العمل لحسن الحظ مجموعة من القصص المكتوبة بأسلوب جميل. إنها قصص نساء عاملات طموحات ومتواضعات يحرصن على التمسّك بهويتهنّ. تحمل كل واحدة من الشخصيات الرئيسية تفاصيل عميقة، ويسهل أن يتعرّف المشاهدون عليها بدقة وأن يرغبوا في المشاركة في حياة كل امرأة منهنّ مهما كانت محطّمة.

ينذر المسلسل بحبكة مثيرة للاهتمام وقادرة على جذب المشاهدين إلى الأحداث الحاصلة بين الشخصيات، وحتى تفاصيل حياتها الخاصة. إنه خليط من الدراما، والترفيه، والمؤامرات، والطموح، والصمود، وسط بيئة يشوبها العنف. تكشف الحلقات الأربع جوانب متنوعة من حياة أولئك النساء. تتطرق الحلقة الأولى مثلاً إلى استعداد الشقيقات "فرح"، و"سهيلة"، و"ياسمين بن طيب"، وابنة "سهيلة"، "لينا"، لفعل كل ما يلزم لحماية عائلتهنّ. هنّ يحاولن مساعدة شقيقهنّ "سليم زهيري" الذي هرب من الشرطة لأن سيارته كانت تشمل بين 20 و50 كيلوغراماً من المخدرات. في الحلقة الثانية، تُخفِق النساء ويتورطن في مشاكل إضافية بدل حل الأزمة الأصلية لأن المواد التي كان "سليم" ينقلها تعود إلى تاجر المخدرات الخطير "عمر ديوارا" الذي يطرح نفسه كمساهِم في الخدمات الاجتماعية رغم تورطه في هذه النشاطات غير القانونية. أما الحلقة الثالثة، فهي تتمحور حول الشائعات، والجواسيس، والتلاعب الذي يحصل في غرف الأخبار وعالم شبكات المخدرات. أخيراً، تتطرق الحلقة الرابعة إلى الخطة التي تضعها الشقيقات لإعادة مليون ونصف دولار إلى "عمر" والنجاة من أعمال العنف والشكوك في حياتهنّ.

تكون بطلة القصة "فرح" مراسلة ميدانية مناضلة، ثم تصبح مذيعة أخبار في مرحلة لاحقة من المسلسل. هي امرأة ذكية وواثقة بنفسها، لكنها تضطر للتكيّف مع زملائها كي يتقبّلوها. في المقابل، خسرت "سهيلة" زوجها ثم بدأت تشارك في عدد كبير من النشاطات الروحية والخيرية. لديها ابنتان، "إيمان" و"لينا"، وهي تحاول إعالتهما وحدها. أما "ياسمين"، فهي امرأة متزوجة من "كريم" ولديها ابنان. هي ليست سعيدة في زواجها، لكنها تستمر في هذه العلاقة رغم إجهادها النفسي وتحاول إدارة شؤون منزلها.

يتطرق المسلسل من ناحية معيّنة إلى حجم التواصل في البلدة، ما يعني أن يصل أي خبر إلى جميع زواياها خلال وقت قصير. كذلك، لا يكون سكان البلدة مستعدين لتحمّل مسؤولية أي وضع، بل يفضلون تبادل اللوم في ما بينهم. على صعيد آخر، يسلّط المسلسل الضوء على الفساد المستفحل في سلك الشرطة، ويكشف أن وسائل الإعلام مسؤولة اليوم عن تلميع صورة أي شخص أو منظمة، لكنها تستطيع تشويه تلك الصورة في الوقت نفسه.

تتغير المبادئ الأخلاقية في القناة بعدما تصبح "فرح" مذيعة أخبار، فتبدو القصص المعروضة حقيقية وأكثر إقناعاً. يثبت لنا هذا الجانب أن العالم يحتاج إلى مراسلين ومذيعين نزهاء ومستعدين للتعمق في القصص الحقيقية ومساعدة أضعف الناس على التعبير عن مشاكلهم. يؤكد المسلسل أيضاً على دور مواقع التواصل الاجتماعي الأساسي في حياة جيل الألفية. عندما تقدّم "لينا" نفسها وكأنها المغنية ريهانا على شبكات التواصل، يتّضح تأثير مجتمع الإنترنت على عقول الشباب. يتأثر أصدقاء "لينا" أيضاً بالحياة السطحية التي تعرضها الشبكات والمنصات الاجتماعية الافتراضية.

كذلك، يشدد المسلسل بكل وضوح على أهمية الروابط العائلية واستعداد النساء لفعل كل ما يلزم لإنقاذ العائلة. إنه عمل ممتع لكل من يرغب في اكتشاف معلومات جديدة عن طريقة تصوير المرأة العاملة على التلفزيون أو منصات الإنترنت. في هذا المسلسل، تظهر المرأة وهي تتخبط لترك بصمة قوية في محيطها وتجاوز الأفكار الذكورية الطاغية من حولها. تُلمِح الحوارات في مرحلة معينة إلى ضعف النساء وتفوّق الرجال عليهنّ، إذ تعجز المرأة مثلاً عن المشاركة في أي عمل شاق. لكن لا تهتم الشخصيات فعلياً بهذه الصور النمطية والفرضيات المحيطة بها، بل إنها تستمد قوتها من الدعم المتبادل بينها وتقرر المضي قدماً رغم كل شيء.

ستواجه بطلات القصة مشاكل أخرى كثيرة، بدءاً من التحرش وسوء المعاملة، وصولاً إلى الازدراء والتجاهل. لكنهنّ سينتصرْنَ في نهاية المطاف ويتفوّقن على كل من يحاول تحطيم أحلامهن وهويتهن والتقليل من احترامهنّ. يستحق هذا المسلسل المشاهدة بسبب رسالته عن المرأة التي تسعى إلى اكتساب القوة والدعم. من الإيجابي أن نشاهد أخيراً عملاً تتولى فيه الشخصيات النسائية إنقاذ العائلة.


MISS 3