حسان الزين

الإعتراض والمثقفون

21 نيسان 2023

02 : 00

ثمة مشكلة لا بدّ من الشروع بمعالجتها، لعلّ ذلك يُسهم في خروج ثقافة الاعتراض وتيّاره من الحلقة المقفلة التي يراوحان فيها، وسط تخبّط البلد وتداعيه في الدوّامة الجاذبة إلى القاع.

تتمثّل هذه المشكلة، وهي واحدة من كثير، في الفرقة ما بين تيّار الاعتراض والثقافة والمثقّفين.

لهذه المشكلة القديمة المتجدّدة أسبابٌ وجذورٌ بدأت إبّان الحرب وتعمّقت بعدها.

مذ ذاك، بدأ المثقفون، تحت وطأة العنف والانقسام وانهيار المشاريع السياسية الكبرى في البلد والعالم، يبتعدون عن التشكيلات السياسية، ومنها الأحزاب العقائدية، يميناً ويساراً.

بعد وقف القتال، كانت الأحزاب التي استسهلت الحرب ودخلتها بزخم ثقافي وعدّة أيديولوجيّة تترنّح وترقص حول نارها. وفيما فقدت الجاذبية وجفّت أنهارها الثقافية، كان كثيرون من المثقفين يواصلون الالتحاق بالزعامات الطائفية وقواها. والخطاب الذي كرّروه وعمّموه هو أن البلد طائفيٌّ لا يتغيّر والإيديولوجيّات انهارت في العالم (مع سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة)، وأن طروحات التغيير عقائد مثاليةٌ مستحيلةُ التطبيق وخاسرةٌ، وأن معتنقيها مراهقون وخشبيون وغير واقعيين... إلخ.

هكذا، وفيما تصحّرت الحياة السياسية تحت قبضة الوصاية السورية وتحالف المال والميليشيات، بدت الثقافة متهافتة وفي جبهة السلطة والزعامات الجديدة، خصوصاً رفيق الحريري.

على رغم ذلك بقيت في بيروت أصوات ثقافية خارج جبهة السلطة وشبكاتها. وقد عبّرت عن نفسها، وعن معارضتها السلطة وسياساتها وممارساتها، تارة على نحو جماعي محدود، وطوراً بأشكال فرديّة.

هذا المسار كانت له محطّة في 2005. لقد انعكس الانقسام في شأن الوجود السوري في لبنان انقساماً بين المثقفين. وإذ جذب إعطاء الأولوية لمواجهة الوصاية السورية فئات واسعة من المثقفين إلى "ثورة الأرز" وحركة "الاستقلال الثاني"، سرعان ما طغت في هذه الجبهة السياسةُ على الثقافة، لا سيما منذ اغتيال الكاتب سمير قصير. في المقابل، على ضفة 8 آذار، انضمّ مثقفون إلى الترسانة الإيديولوجية السياسية.

ومع اشتداد الانقسام بين قوى 14 آذار و8 آذار، تراجعت الثقافة ووقف عدد لا بأس به من المثقفين خلف المتاريس السياسية محوّلين الثقافة إلى سلاح. وقد أسهم ذلك في تراجع إضافي للثقة بالمثقفين.

وسط هذا، لم يُنتج في لبنان أي جديد سياسي، لا في شأن الماضي وقراءة تجاربه ولا في شأن الحاضر والمستقبل. والنتيجة أن خطابات الاعتراض، والخطابات عموماً، ما زالت محكومة بإيديولوجيّات الماضي وشعاراته وانقساماته التي ترسّخت قبل الحرب وخلالها. ولا يُخفى تأثير ثقافة المنظّمات غير الحكومية التي تعطّل نموّ الفعل والفكر السياسيين. أضف إلى هذه وتلك ضعف التربية الديمقراطية وثقافة العمل الجماعي المنظّم. وفي ظل مراوحة الاعتراض وتعثّره في إنتاج مشروع وخطاب وخريطة طريق وأطر منظّمة وشعبيّة، تسلّل إلى مشهد الاعتراض في السنوات الماضية خطابا 8 و14 آذار.

هذا بعض أسباب تأخر ارتقاء الاعتراض إلى معارضة. وقد أثبتت الأيّام والتجارب أن حماسة النشطاء والمجموعات لا تصفّق وحدها. وهنا، تبرز أهمية المباشرة بورشة ثقافية سياسية لإنتاج الجديد الذي بات ضرورياً لتطوير العمل السياسي وإنقاذ لبنان.

فهل مَن يسمع، من النشطاء والمجموعات والمثقفين والمواطنين والمواطنات عموماً، ويبادر؟ هذا هو السؤال. والحاجة والإبداع ماسّان.