سهجنان حسن الرز

حماية الآثار وإحراق "متحف بيروت"

9 آذار 2020

10 : 32

تشكل الآثار ركناً من أركان الهوية الحضارية للشعوب والأمم وتظهر الوجه الحضاري لأمم إندثرت وبادت ومرجعاً ودليلاً لكتابة التاريخ البشري المستدام والمتسلسل. ويحتاج حفظ الآثار والتراث العام لتعميم ثقافة تربوية وشعبية تجعل من حفظ الأثر وحمايته وترميمه واجباً فردياً وجماعياً بالمعطى الإنساني بعيداً عن الربح المادي ويحتاج ايضاً إلى تشريعات وقوانين متشددة وعلمية لحمايتها واستثمارها.

تحدد الآثار والتراث هوية البلاد والشعوب وتحفظ تاريخهم وحضارتهم وتمنحهم إمكانية استثمارها عبر السياحة الترفيهية او المعرفية العلمية، لذلك لا بد من حفظ هذه الآثار والمواقع التراثية والطبيعية عبر رفع مستوى الوعي لدى المواطنين والمتخصصين في علم الآثار بالإضافة لتنظيم دورات توعوية وإرشادية في المدارس لبناء جيل واع لأهمية حضارته وكيفية حفظها، وللدولة دور أساسي في هذا الإطار لذلك لا بد من تطوير القوانين لحماية الآثار وفرض عقوبات صارمة لمن يتهاون بهذا الإرث الحضاري على صعيد الأفراد من أعمال تخريب أو سرقة وإتجار وكذلك في حالات الحروب الأهلية أو تعرض الدولة للإحتلال وكذلك في حالة الفوضى والثورات.

وقد تعرّضت الآثار في العقد الأخير خاصة في المنطقة العربية التي شهدت ثورات شعبية وانتفاضات، حيث تواجد فيها المواطن (الصالح والحريص) مع السارق والمرتزق، فبادر البعض لحماية الكنوز الأثرية والمتاحف، كما حصل في القاهرة وحماية المتحف المصري ومقتنياته الثمينة والتاريخية وكذلك المتحف الوطني في لبنان أيام الحرب الأهلية، فخلال الحرب الأهلية في لبنان وانقسام العاصمة بيروت الى شرقية وغربية وكان المتحف الوطني يقع على خط التماس، لكن مقتنياته تمت حمايتها وحفظها في الطابق السفلي بشكل سري ولعدة سنوات وبعد انتهاء الحرب أعيد تنظيفها وترميمها وعرضها وذلك بجهود جهات عدة أبرزها "لجنة أصدقاء المتحف"، فيما تعرضت الآثار في لبنان للسرقة أثناء الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وكذلك آثار العراق أثناء الغزو الأميركي وداعش أما في سوريا فقد تعرّضت للسرقة والبيع للآثار التي يسهل نقلها وللتدمير للآثار المبنية الثابتة.



وفي 17 تشرين 2019 بدأت موجة من التظاهرات في عدة مناطق في لبنان وتركزت في وسط بيروت وتحديداً في ساحة الشهداء وبتاريخ 11/2/2020 تعرض "مشروع متحف بيروت" الذي يقع بقربها وهو متحف قيد الإنشاء، للحرق والتكسير من قبل مجموعة استغلّت حالة الفوضى وبنتيجة الكشف على الموقع من قبل المديرية العامة للآثار لرصد الأضرار، تبين إحراق وإتلاف ما يقارب 600 صندوق بلاستيكي موضبة بداخلها كسر فخارية أثرية وعينات معدة للدراسة والتحاليل. كما طاول الحريق أرضيات لفسيفساء وجدراناً تتميز برسوماتها الملونة، بالإضافة إلى تلف واقتلاع أقسام كبيرة من السياج الخارجي. وهنا تُطرح عدة أسئلة عن الجهة المسؤولة عن هذا التخريب..هل هو فعل فردي من قبل بعض المندسين بين المتظاهرين؟... أو هي عملية تمثيلية مفبركة عبر سرقة الآثار وإيحاء بأنها أتلفت؟... وما هو دور الدولة اللبنانية في حماية ممتلكاتها الآثارية ومعرفة الجهة المسؤولة ومحاسبتها؟ وما هو موقف المنظمات العالمية المختصة بحماية وحفظ هذا النوع من الآثار؟ وهل يعقل ان مقتنيات المتحف الوطني اللبناني تم حفظها وحمايتها خلال حرب أهلية دامت لسنوات وبوجود قوات مسلحة، ومقتنيات "مشروع متحف بيروت" لم تحفظ في وجود بعض التحركات الشعبية؟ إن محو تاريخ أي أمة أو شعب يمثل وجهاً من وجود الإلغاء الحضاري غير الإنساني وعلى هيئات المجتمع المدني التي تطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد ان تبادر الى تنقية صفوفها من الجاهلين او السارقين الذين يمارسون الفساد السلوكي والحضاري عبر تدمير وتخريب الممتلكات العامة التي ليست ملكاً لحزب سياسي او طائفة بل هي ملك الشعب اللبناني ونناشد السلطات المختصة والمجتمع المدني للعمل والتعاون لإعادة الآثار المفقودة وتأمين الحماية لكل المتاحف وآثار المدينة.



(*) - ماستر آثار وفنون: المتاحف وتقنيات الحفظ - الجامعة اللبنانية.

- أمينة سر لجنة متحف الآثار في الجامعة اللبنانية.


MISS 3