جاد حداد

Escape from Pretoria... متعة سينمائية حقيقية!

9 آذار 2020

12 : 00

فيلم Escape from Pretoria (الهرب من بريتوريا) مقتبس من قصة تيم جنكين الحقيقية. في العام 1979، شارك هذا الأخير في عملية هرب من سجن في جنوب أفريقيا مع سجينَين آخرَين.

وقع هذا الحدث خلال حقبة مضطربة سياسياً في البلاد، واعتُبر ذلك الفعل من أبرز مظاهر التحدي في حقبة يشوبها انقسام عنيف. لا يخشى المخرج فرانسيس عنان الذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو استكشاف الاضطرابات السائدة في جنوب أفريقيا خلال ذلك الزمن المتقلب، لكنه يحافظ في الوقت نفسه على عوامل الجذب المعروفة في أفلام التشويق، فيتناول العمل مظاهر الفساد ويعرض عملية هرب مشوقة من السجن ويتعامل مع جميع أنواع التحولات بزخمٍ هائل، فيزيد حيوية القصة بدرجة فائقة.

يتجنب الفيلم أسلوب الوعظ ولا يعرض حبكات جانبية غير ضرورية، بل يستغل رحلة التخطيط المستحيل على أكمل وجه ويستخلص أهم النقاط المشوقة والمؤثرة من قصة نجاة جنكين.في العام 1979، كان جنوب أفريقيا يشهد عصر الفصل العنصري، فسئم "تيم" (دانيال رادكليف) و"ستيفن" (دانيال ويبر) من الأحكام العنصرية السائدة في بلدهم.

انضم الشابان إلى "المؤتمر الوطني الأفريقي" على أمل أن يتركا بصمتهما في حركة تمرّد بارزة من خلال إلقاء عبوات متعددة لتوزيع المنشورات في كل مكان. يسلّط هذا المشهد الضوء على مظاهر الظلم الطاغية بأفضل طريقة. لكن سرعان ما يتم إلقاء القبض على الشابَين ويُحكَم عليهما بالسجن لسنوات في سجن "بريتوريا".

كانا يحملان خططاً فورية للهرب من تلك المنشأة لكنهما يصطدمان سريعاً بأهوال الحياة في السجن ويحظيان بحماية "دينيس" (إيان هارت)، وهو عضو مخضرم في "المؤتمر الوطني الإفريقي"، ويصادقان "ليونارد" (مارك ليونارد وينتر)، وهو رجل فرنسي يواجه موقفاً صعباً بدوره. يستعمل "تيم" مهاراته في التصميم والحِرَف اليدوية لاكتشاف كيفية فتح جميع الأبواب المعدنية في "بريتوريا"، فيصبح العقل المدبّر لخطة الهرب فيما يخضع لمراقبة مشددة من حارس فاسد اسمه "مونغو" (ناثان بايج).

"تيم" شخص مهووس بالعدالة، لذا يعبّر عن اشمئزازه الدائم من وضع جنوب أفريقيا حيث تطغى أسوأ مظاهر العنصرية، وتزيد قصته تعقيداً حين يعيش علاقة عاطفية مع امرأة سوداء. هو يحاول إحداث فرق حقيقي بالتعاون مع "المؤتمر الوطني الأفريقي"، فينجرّ إلى خطة تفجير مع "ستيفن".



يفصّل المشهد الأول خطة زرع أكياس المنشورات في محيط أحد أحياء المدينة، ويهدف ذلك الانفجار في الأساس إلى فتح عيون المواطنين على حقيقة الأهوال الحاصلة في بلدهم. كما هو متوقع، تتخذ هذه الفكرة منحىً سيئاً، فينشر "تيم" و"ستيفن" الهلع قبل أن تقبض عليهما الشرطة، مع أنهما يبدوان مستعدَين لتنفيذ خطة أخرى من وراء القضبان. تطلق هذه المقدمة أحداث الفيلم بحيوية مدهشة واستعداد واضح لاستكشاف الوقائع وتحقيق الهدف النهائي.

سنشاهد الشابَين وهما يستعدان للسجن عبر رمي أنابيب سجائر مليئة بالمال خلفهما على أمل أن يبتعدا قدر الإمكان عن كابوس "بريتوريا". يهرب "ستيفن" في البداية لمسافة جيدة لكنه يعود ويتعرض لإطلاق النار على يد السلطات. تكثر البرامج والأفلام التي تشبه Escape from Pretoria من حيث مشاعر العجز وعصابات السجون.

يجسّد "مونغو" مثلاً دور المسؤول الوحشي الذي يستمتع بتصعيب حياة السجناء. ونشاهد معالم اليأس مع "ليونارد" الذي يعجز عن التواصل مع ابنه الصغير خلال الزيارات القصيرة ويخشى أن يكبر الطفل من دون أن يعرفه. لا يتجنب المخرج عنان الأفكار المألوفة في هذا النوع من القصص، لكنه يضفي عليها مشاعر صادقة، من جانب "تيم" تحديداً. لا يستخف هذا الأخير بالحكم الصادر ضده، لكنه يختار أن يتابع تجربته مع "المؤتمر الوطني الأفريقي" من وراء القضبان، فيعتبر الهرب من السجن أقوى تعبير احتجاجي على حُكم الأكثرية البيضاء.

يبرز أيضاً اختلاف على مستوى الأجيال، إذ يكون "دينيس" رجلاً أكبر سناً ويفضّل إنهاء عقوبته ويحاول تهدئة السجناء الجدد الذين يتوقون إلى التحرر. سرعان ما ينتقل الفيلم إلى مرحلة التخطيط والتنفيذ، فيدرس "تيم" أنواع الأقفال ويصنع تدريجاً مفتاحاً خشبياً لإخراج العصابة من أول باب من أصل أبواب كثيرة في "بريتوريا"، فيواجه في خضم هذه العملية عوائق كبرى فيما يبدأ الوقت بمداهمتهم.

بالتعاون مع المصوّر السينمائي جيفري هول، ينشئ عنان بيئة جاذبة لعرض أحداث الفيلم، فيحافظ على أعلى درجات التشويق فيما يحاول "تيم" التخطيط للخروج من زنزانته وتجاوز الحراس. يرتكز جزء كبير من الفيلم على خوض التجارب وارتكاب الأخطاء وتغيير الخطط. وتضمن الكوارث والتجارب المتلاحقة مشاهد مشوقة.

قد تبدو هذه الجهود كلها مألوفة، لكن يضفي عليها المخرج نفحة متجددة عبر اختيار عناصر فريدة من نوعها على مستوى موقع التصوير والحقبة الزمنية وطاقم الممثلين. يقدّم رادكليف أداءً قوياً ومقنعاً بدور "تيم" ويقود مجموعة بارعة من الممثلين الآخرين. يتطرق Escape from Pretoria إلى مواضيع عميقة عن المساواة والعدالة، لكنه لا يتردد في التركيز على جوانب التشويق في الوقت نفسه ويعرض مشاهد الهرب من السجن بسلاسة ويكشف شوائب تاريخ جنوب أفريقيا تزامناً مع تقديم متعة سينمائية فائقة.


MISS 3