جاد حداد

Florida Man... التشويق يبدأ في مرحلة متأخرة

26 نيسان 2023

02 : 00

يحاول المسلسل الجديد Florida Man (رجل فلوريدا)، من بطولة إدغار راميرز، أن يجمع بين الغموض والكوميديا، لكنه يفشل في تقديم إيقاع ثابت على مر حلقاته، وتبقى آخر حلقتَين منه الأكثر تميّزاً بينها. كان من الأفضل أن يُطرَح العمل على شكل فيلم.

يتألف المسلسل من سبع حلقات، ويعرض قصة المدمن على القمار "مايك فالنتاين" (راميرز). يعود هذا الشرطي السابق والمطلّق إلى مسقط رأسه في فلوريدا على مضض، بعدما يأمره رب عمله "موس" (إيموري كوهين) بالعثور على حبيبته الهاربة "ديلي" (آبي لي). يشعر "مايك" بالقلق أيضاً بسبب اختفاء "ديلي" لأنهما كانا على علاقة طوال أشهر. ينمّ قرار عودته إلى بلدته الأم عن شكل من الأنانية وحاجته إلى التحرر من سلطة "موس". لكن سرعان ما تتحول هذه القضية إلى ظروف جامحة تُدخِل "مايك" في دوامة من الأسرار العائلية القاتمة. هو يضطر لتجديد تواصله مع شقيقته "باتسي" (أوتمارا ماريرو) ووالده البعيد عنه "سوني" (أنتوني لاباغليا)، ثم تلحق به في مرحلة معينة زوجته السابقة والشرطية "أيريس" (ليكس سكوت ديفيس)، فيدرك أنه يعجز عن الهرب من البلدة التي حاول الرحيل منها طوال سنوات.

يشمل المسلسل بعض الشخصيات الزائدة التي تُستعمَل خدمةً للحبكة حصراً، لكن كانت إضافة شخصية نائب نقيب الشرطة الغامض "كيتشر" (كلارك غريغ) إيجابية، فهو يقدم في البداية لحظات كوميدية يحتاج إليها العمل قبل أن يبدأ بالتأثير على الأحداث في مراحل متقدمة من القصة. إنه دور مضحك ومرح، ومن الممتع أن نشاهده وهو ينهار مع مرور الأيام. يناسب هذا الدور غريغ على أكمل وجه، وكان المسلسل يحتاج إلى هذه الفسحة الكوميدية من شخصياته الرئيسية. لا يكتفي غريغ بالتمثيل في المسلسل، بل إنه يُخرِج آخر حلقتَين منه أيضاً وقد تكونان من أفضل حلقاته، فهو يقدّم فيهما العناصر التي تضمن جذب المشاهدين حتى النهاية.

تتصاعد أجواء التشويق في هاتين الحلقتَين الأخيرتين وتكثر اللحظات الصادمة مع اقتراب النهاية، وتتورط الشخصيات أيضاً في ظروف مشحونة وصاخبة. في غضون ذلك، يقدّم المسلسل مجموعة من القضايا الجنونية المستوحاة من أحداث وقعت في فلوريدا، بما في ذلك موت رجل من تلك الولاية خلال حادث في مرحاض متنقل، أو رجل يسرق سيارة إسعاف وهو تحت تأثير المخدرات. تمتد هذه الرسوم الكاريكاتورية التي تعكس ثقافة سكان فلوريدا على مر حلقات المسلسل وتفتح المجال أمام تقديم مشاهد حركة ولقطات كوميدية في آن. لكن تتأخر العناصر التي تضمن نجاح العمل أكثر من اللزوم ولا تظهر قبل الحلقتَين الأخيرتين. يعجّ المسلسل بأفكار مألوفة وحوارات حذقة ومشاهد حركة ترفيهية، لكنه كان لينجح لو اقتصر على أربع أو خمس حلقات، أو لو كان على شكل فيلم من ساعتين. تتباطأ الأحداث بعد حلقته الأولى الواعدة نسبياً ولا تعود إلى مسارها الصحيح قبل الحلقة السادسة، وهو وضع كفيل بثني الجمهور عن متابعة المشاهدة. يضفي "سوني" وفريقه بعض الحماس على الأحداث، لكن لن تكون اللحظات الكوميدية وقوة الأداء التمثيلي كافية، وهذا ما يجعل المسلسل لامعاً ظاهرياً مع أنه فارغ المضمون.

المسلسل من كتابة دونالد تود (من أعماله This Is Us (هذا نحن))، وهو جزء من أول صفقة بين المنتج جايسون بايتمان وشريكه مايكل كوستيغان مع شبكة "نتفلكس" عن طريق شركة الإنتاج Aggregate. بالنسبة إلى أول مشروع من صفقة تمتد على سنوات عدة، يبذل صانعو هذا العمل جهوداً كبرى لتقديم مسلسل مميز، لكنه يتعثر بسبب مجموعة أخطاء يُفترض ألا تتكرر في المشاريع الأخرى. كان يمكن أن يتخذ المسلسل منحىً مميزاً، لكنه يُركّز بدرجة مفرطة على ثقافة النكات المعاصرة. قد يكون هذا الجانب السبب الكامن وراء غرابة أجوائه، لكنه ليس عذراً كافياً لتبرير المشاكل المرتبطة بإيقاع الأحداث وعدد الشخصيات التي ينحصر دورها بتقديم لحظات كوميدية من دون تطوير مسار القصة. كذلك، يطرح المسلسل حبكات وتطورات جديدة في حلقاته الأخيرة، وهو أسلوب مفاجئ وغير منطقي، فينكشف سر "باتسي" الكبير مثلاً رغم عدم وجود أي تلميحات سابقة أثناء تفاعلاتها مع زوجها أو أحاديثها مع شقيقها "مايك".

تشمل أول وآخر حلقة من المسلسل بعض التحولات المفاجئة في ولاية مشمسة يسكنها أشخاص غامضون، لكن يبقى العمل مميزاً في قصته وإنتاجه، وخطوطه السردية المقنعة، وعناصره الكوميدية المضافة. لكن نظراً إلى الجوانب الواعدة التي تنذر بها بداية القصة وقوة الممثلين المشاركين في العمل، لا سيما راميرز الذي يتمتع بموهبة كبيرة ويستحق إشادة متزايدة، يواجه المسلسل مشاكل على مستوى الإيقاع، وسطحية السيناريو، وغياب الكيمياء بين أبطال القصة، ووفرة الأحداث التي تقع دفعةً واحدة. كذلك، يضيف صانعو العمل شخصيات أو حبكات لا تُحرّك الأحداث أو تُطوّرها، ولهذا السبب توحي معظم التطورات المتلاحقة بأن القصة تفتقر إلى العمق، وكأن المسلسل لا يعرف وجهته النهائية. هذه الفوضى المتشابكة تجعل العمل يتعثر ويخسر جزءاً كبيراً من جاذبيته منذ مرحلة مبكرة.


MISS 3