جاد حداد

Transatlantic... دراما مؤثرة وممتعة من حقبة الحرب العالمية الثانية

3 أيار 2023

02 : 00

تكثر الحكايات البطولية التي تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية، وغالباً ما يظهر فيها الجنود الغارقون في الأوحال وهم يؤدون مهام شجاعة وراء خطوط العدو، فيطلقون النار على النازيين بمتعة فائقة. لكن يأتي المسلسل الجديد Transatlantic (عابر للأطلسي) للكاتبة آنا وينغر، على شبكة "نتفلكس"، ليذكّرنا بأن الأبطال لا يتواجدون وسط الأسلحة دوماً، بل إنهم يكونون مدنيين عاديين أحياناً، فيستعملون الامتيازات المتاحة أمامهم لإنقاذ ضحايا الرايخ الثالث والثقافة التي أراد هذا النظام اقتلاعها عن وجه الأرض.

في هذا المسلسل، يسلّط صانعو العمل الضوء على مؤسسي لجنة الإنقاذ في حالات الطوارئ، فهم نجحوا في تهريب ألفَي شخص من أهم الرسامين والمفكرين والأكاديميين الأوروبيين إلى بر الأمان في الولايات المتحدة عبر موانئ مارسيليا المحفوفة بالمخاطر، في العام 1940. كانت الولايات المتحدة لا تزال تختبئ وراء غطاء الحياد، فترفض استقبال مئات اللاجئين تزامناً مع تجاهل الأحداث المتلاحقة، فيما كان الرايخ الثالث يتابع التوسّع في أنحاء فرنسا فيشي. في غضون ذلك، يقضي مؤسّسو لجنة الإنقاذ في حالات الطوارئ، من بينهم الصحافي السابق "فاريان فراي" (كوري مايكل سميث) وصاحبة المبادئ العليا "ماري جاين غولد" (جيليان جاكوبس) من شيكاغو، على ما تبقّى من رصيدهم السياسي والمالي لإخراج شخصيات مؤثرة، مثل هانا أريندت، ووالتر بنجامين، ووالتر ميهرينغ، من البلد قبل أن يعثر عليهم النازيون.

قد توحي هذه العناصر بأجواء كئيبة، لكن يحمل المسلسل جانباً حلواً ومُرّاً ويشبه أعمال هوليوود الكلاسيكية التي تُذكّرنا بالفيلم الرومانسي التاريخي Casablanca الذي اتّسم بأجواء حيوية ومشوّقة. هذا الجانب المشرق والمفاجئ ينعكس إيجاباً على العمل ككل لأنه يخفّف جزءاً من أجوائه القاتمة. رغم الحقبة الزمنية الحزينة، لم نتابع قصص أشخاص كئيبين، بل إنهم أصحاب مبادئ يريدون (بكل سذاجة على الأرجح) أن يحافظوا على ما يعتبرونه مهماً، أي الفنون والفلسفة التي ترفع مستوى المجتمعات، بدل اكتفائهم بالصمود. فيما ينتظر هؤلاء المرحلة اللاحقة من رحلتهم بعيداً عن المخاطر، تجد هذه المجموعة المميزة من اللاجئين الوقت للغناء، والرقص، والوقوع في الحب داخل واحة مشمسة من "فيلا إير بيل". هذه اللحظات تمنع المسلسل من التحوّل إلى مأساة محورها الإبادات الجماعية.

من ناحية معيّنة، توحي الخطوط السردية المتسرّعة والأجواء العامة بوجود نقصٍ في القصة، ويترسّخ هذا الانطباع بسبب الإيقاع المتعرّج الذي تتبعه الحلقات السبع. تُضعِف اللحظات الخفيفة والممتعة حجم التهديدات التي تواجهها الشخصيات، لا سيما عندما تصبح حياة الناس في خطر حقيقي. تتمحور إحدى الحلقات بشكلٍ شبه كامل حول حفل ميلاد غريب وسريالي للرسام ماكس إيرنست. يسهل أن تنسينا هذه الحلقة الحبكة الأصلية، وسرعان ما نستوعب مجدداً أن هؤلاء الأشخاص يُفترض أن يخافوا من فقدان حياتهم.

لكن تكمن جاذبية المسلسل في هذا الخليط الذي يقدّمه، فهو يعرض قصص أشخاصٍ يريدون التمسّك بحياتهم الطبيعية بأي ثمن في عالمٍ يحاول التخلص منهم ببطء. سرعان ما تصبح "فيلا إير بيل" مساحة انتقالية بين الاعتقال والحرية، ومكاناً نادراً يسمح لهؤلاء الفنانين واليهود والمثليين بالتصرّف على سجيتهم. هم يثورون ضد انطفاء الأضواء ويحتفلون من كل قلوبهم لأنهم يتوقّعون حضور المسلحين لأخذهم في مرحلة معينة. حين يكون التهديد النازي قريباً من الناس لهذه الدرجة، هل يستجمع هؤلاء كامل طاقتهم للبقاء على قيد الحياة أم أنهم يحاولون استغلال ما تبقّى من حياتهم لعيش أيام مليئة بالحب والحيوية؟ في مرحلة متقدمة من المسلسل، يقول "فراي" للمتطوع "توماس" (أميت راهاف) متنهداً: "كنت أظن أننا سنعيش هنا إلى الأبد". فيجيبه "توماس": "للحظة معيّنة، كنت أظن الأمر نفسه".

أخيراً، يقدم الممثلون أداءً متماسكاً، إذ يعكس أسلوب جيليان جاكوبس المعاصر والجاذب مدى عشق المرأة، التي تجسّد شخصيتها، الفنونَ وبُعدها عن عالم التجسّس. كذلك، يعبّر كوري مايكل سميث بدور "فراي" عن الصراع الذي تعيشه شخصيته بين واجبه ومهمّته والحب الممنوع الذي يجده في مارسيليا. لكن يضحّي المسلسل بجزء كبير من عمقه لتقديم محتوى بسيط، فلا يتعمّق في حياة الشخصيات المؤثرة ويستعرض عمل لجنة الإنقاذ على أرض الواقع بإيقاع سريع. في مطلق الأحوال تُعتبر هذه الشوائب عابرة، إذ يبقى المسلسل ممتعاً ومفهوماً بما يكفي. لكن كانت تعديلات بسيطة لترفع مستوى العمل وتعطيه طابعاً مميزاً.


MISS 3