جاد حداد

Mindhunter ... أقوى مسلسل درامي على "نتفلكس"!

13 آذار 2020

12 : 31



يؤكد الموسم الثاني المنتظر من مسلسل Mindhunter (صياد العقول) للمخرج ديفيد فينشر على أنه أقوى برنامج درامي على شبكة «نتفلكس». حتى أن هذا الموسم يبدو أكثر طموحاً وتأثيراً من الموسم الأول. يتألف هذا الجزء من تسع حلقات ويتمحور حول فكرة نادراً ما تتطرق إليها مسلسلات الجريمة: لا يمكن أن نعرف جميع التفاصيل والدوافع بدقة! إذا كان الموسم الأول يتعلق بفريق يحاول إيجاد أفضل طريقة لرسم مواصفات القَتَلة، يتمحور الموسم الثاني حول بقاء جزء كبير من المعلومات مجهولاً دوماً. يُضعِف فينشر والكتّاب الجزء الخيالي من القصة عبر طرح قضايا فيها متغيرات لا تزال تثير الانقسام حتى اليوم، لا سيما قضية جرائم قتل الأولاد في أتلانتا، وهي جريمة أُدين بها واين ويليامز لكن يظن الكثيرون أن القضية لم تُحَلّ بالكامل بعد. ركّز الموسم الأول على محاولة الاقتراب من المعطيات المؤكدة، لكن يصرّ الموسم الثاني على استمرار الشكوك في جميع القضايا مهما حصل: الشك بأن القاتل لم يفلت بفعلته، والشك بأن نعرف شركاءنا أو أولادنا على حقيقتهم، والشك بقدرة الناس على إدراك حجم الفجوة بيننا وبين الجانب القاتم من الحياة.

تبدأ أحداث الموسم الجديد بعد نهاية الموسم الأول، فنشاهد «هولدن فورد» (جوناثان غروف) وهو في حالة اضطراب بعد نوبة الهلع التي أصابته غداة زيارة «إدموند كمبر». لكنه يسترجع توازنه سريعاً حين يعرف أن «وحدة العلوم السلوكية» التي يرأسها مع «بيل تانش» (هولت ماكالاني) و»ويندي كار» (آنا تورف) لديها حليف قوي جديد: إنه «تيد غان» (مايكل سيرفيريس). تحصل الوحدة على هامش أوسع من الحرية، فتبدأ بإجراء مقابلات مع قَتَلة متسلسلين بهدف الكشف عن دوافعهم وأمراضهم. تُركّز بداية الموسم على الطقوس المعتمدة في التحقيقات، لا سيما عند استدعاء «تانش» لإجراء تحقيق عن قاتل يستعمل أساليب الربط والتعذيب والقتل. لماذا يأخذ القتلة تذكارات عن جريمتهم؟ ولماذا يعودون إلى ساحة الجريمة؟ لماذا يكتبون الرسائل ويطلقون أسماء مختلفة على أنفسهم؟ ولماذا يصبح بعض الضحايا مجرمين؟ تشمل أولى الحلقات مقابلات مع أشخاص مثل تيكس واتسون الذي ارتكب جريمة بناءً على أوامر عائلة مانسون، وإيلمر واين هانلي الذي كاد يقع ضحية دين كورل قبل أن يصبح عشيقه ويجلب له الضحايا. كيف يمكن تصنيف هؤلاء الرجال الذين فضّلوا أن يصبحوا قتلة متسلسلين بدل أن يدخلوا في خانة السادية الجنسية؟




يبتعد أبطال القصة الثلاثة عن عملهم تحت تأثير قوى مختلفة. يخصص هذا الموسم وقتاً طويلاً لعلاقة جديدة مع «ويندي»، فيعرض حبكة فرعية لا تعطي الأثر المنشود، لكنها تمنح تورف فرصة تقديم أداء قوي في شخصيتها التي لم يطوّرها الكتّاب بما يكفي. في المقابل، يبدو خط القصة المرتبط بدور «بيل تانش» أكثر نجاحاً كونه يتماشى على أكمل وجه مع مواضيع المسلسل العامة حول صعوبة اكتشاف دوافع الآخرين. تتّضح هذه الفكرة أيضاً في قصة «هولدن فورد» في الموسم الثاني، فنشاهد تفاصيل التحقيق المرتبطة بجرائم قتل الأولاد في أتلانتا في العام 1981.

مجدداً، يبدو Mindhunter متقناً من الناحية الفنية. أخرج فينشر شخصياً الحلقات الثلاث الأولى، وهو أول عمل له وراء الكاميرا منذ الموسم السابق. ثم يتولى أندرو دومينيك إخراج المسلسل في منتصفه، قبل أن يستلم كارل فرانكلين الحلقات الأخيرة. يتعلق أكبر فرق هذه المرة بغياب المؤثرات البصرية التي ترافق جرائم القتل في العادة. نشاهد صور الجرائم ونسمع المقابلات، لكننا لا نرى إعادة تمثيل الجرائم. تتسم المشاهد بحيوية لافتة وغالباً ما ترتكز على مقابلات حقيقية، فنشعر بالمخاطر المطروحة أكثر مما كنا لنفعل لو حاول البرنامج تصوير مشاهد القتل مع ممثلين. يقدم الممثلون أداءً ممتازاً، لكن يسرق ماكالاني الأضواء بدور رجل عالق في كابوس حقيقي. في الموسم الأول، كان «بيل تانش» رجلاً مستقيماً بشكل عام، فراح يكبح ميول «هولدن» الأكثر تطرفاً.

هو لا يزال الرجل التقليدي بين هذين الشريكَين حتى الآن، لكن يجد ماكالاني نقاط ضعف في هذا السلوك المتّزن. في الموسم الجديد، يمر «تانش» بمواقف تجعل العمل يقترب من الحياة الشخصية أكثر من اللزوم. قد نشعر في البداية بأن هذه الفكرة مبالغ فيها، لكن يقدمها ماكالاني بأسلوب مقنع جداً ثم تتطور بطريقة مُرضِية من الناحية السردية.تكون مسلسلات الجريمة مربحة جداً، لكن يهدف معظمها إلى طمأنة المشاهدين. قد نشاهد نشاطات مريعة طبعاً، كما في مسلسل Criminal Minds (عقول إجرامية)، لكن تدخل الشخصيات السيئة إلى السجن دوماً.

لذا يكون هذا النوع من البرامج رائجاً. يحب الناس أن يصلوا إلى نهاية واضحة للأحداث. لكنّ الواقع لا يضمن نهاية مماثلة في جميع الحالات، وهذا ما يعطي Mindhunter سحره. فهو يتحدى طرق السرد التقليدية ويتقبل وجود معلومات مجهولة بطريقة تُذكّرنا بأروع أعمال فينشر، Zodiac. يحاول «هولدن فورد» و»روبرت غرايسميث» البحث عن الأجوبة في هذا المسلسل، لكن سرعان ما يصبحان محدودَي البصيرة بسبب هوسهما. باختصار، يتمحور الموسم الثاني حول السؤال التالي: ماذا لو سقطنا جميعاً في الهاوية ورحنا نتعثر في الظلام ولا نعرف ما نستطيع التمسك به للنهوض مجدداً؟


MISS 3