أمعاؤك قد تقاوم المضادات الحيوية من دون أن تأخذ هذه الأدوية

02 : 00

تطرح قدرة مسببات الأمراض البشرية على تطوير مقاومة للمضادات الحيوية تهديداً جدّياً على الصحة العامة، لكن يعرف الجميع هذه المعلومة على الأرجح. تبيّن الآن أن الفرد الذي لم يأخذ أي مضادات حيوية في الفترة الأخيرة قد يحمل سلالات أكثر مقاومة لهذه الأدوية في البلدان التي ترتفع فيها نسبة استعمالها، مقارنةً بالأشخاص الأصحاء في البلدان التي يتراجع فيها استعمال المضادات الحيوية.

يذكر بحث جديد أجراه "معهد إيرلهام" و"معهد كوادرام" في المملكة المتحدة، بالتعاون مع فريق دولي من العلماء، أن جميع الجراثيم، أو أي كائنات دقيقة أخرى تستقر داخل جسم الإنسان أو عليه، قد تصبح مصدراً لمقاومة المضادات الحيوية. قد تتفاجأ أيضاً حين تعرف أن استعمال المضادات الحيوية في محيطك يؤثر عليك مباشرةً.

يقول عالِم البيئة الميكروبية، كريس كوينس، من "معهد إيرلهام" و"معهد كوادرام": "حتى الشخص الذي يتمتع بصحة جيدة ولم يأخذ أي مضاد حيوي في الفترة الأخيرة يتعرض طوال الوقت لميكروبات تشتق من أشخاص أو حيوانات أليفة يتفاعل معها، وقد تجعل جينات المقاومة جزءاً لا يتجزأ من بيئته الميكروبية. إذا كان هذا الفرد محاطاً بأشخاص يستهلكون كميات كبيرة من المضادات الحيوية، قد ينشأ المزيد من جينات المقاومة في بيئته الميكروبية الخاصة".

عند استعمال المضادات الحيوية لمحاربة أي عدوى، قد تعطي أثراً جانبياً مؤسفاً وتسيء إلى البيئة الميكروبية المضيفة، حتى أنها تزيد احتمال تناقل جينات المقاومة بين مختلف سلالات البيئة الميكروبية.

ركزت معظم الدراسات المرتبطة بموضوع المقاومة المضادة للميكروبات على مستوى المقاومة التي تبديها الميكروبات المُسببة للعدوى لدى البشر. لكن تنتشر الميكروبات على نطاق واسع داخل جسم الإنسان ويكون معظمها حميداً، حتى أن بعضها يُعتبر مفيداً.

ونظراً إلى سهولة نقل الجينات المقاوِمة للمضادات الحيوية، لا يؤثر استعمال هذه الأدوية على مسببات الأمراض التي يُفترض أن يقضي عليها الدواء فحسب، بل على البيئة الميكروبية كاملة. لهذا السبب، تُعتبر مجموعة الجينات المقاوِمة في البيئة الميكروبية المترابطة موضوعاً يستحق البحث.

يوضح كوينس: "تقوم أجسامنا باستيراد وتصدير الميكروبات وسلالات مسببات الأمراض بوتيرة متواصلة. تنقل هذه السلالات نفسها الجينات ذهاباً وإياباً، ما يعني ضرورة استهداف مشكلة المقاومة المضادة للميكروبات على المستويَين الجزئي والكلي".

تؤثر البيئة الميكروبية ككل على الوضع الصحي ونشوء الأمراض، لكن تُعتبر البيئة الميكروبية المعوية مهمة بشكلٍ خاص كونها تنعكس على عملية الهضم وتطور جهاز المناعة. يكون الجهاز الهضمي البشري ملاذاً حقيقياً لملايين الميكروبات المختلفة، فهو يستضيفها بكميات تفوق أي منطقة أخرى في الجسم.

افترض المشرفون على الدراسة الجديدة إذاً أن الميكروبات المقيمة في الأمعاء قد تؤثر بشدة على المقاومة المضادة للميكروبات.

حلل الباحثون 3096 عيّنة من البيئة الميكروبية المعوية لدى أشخاص من 14 بلداً مختلفاً لمعرفة معلومات إضافية عن آثار مضادات الميكروبات في تلك البيئة المعوية، وركزوا تحديداً على عينات مأخوذة من أشخاص لن يحتاجوا إلى المضادات الحيوية على الأرجح لجمع مواصفات جينية "نظيفة" عن بيئتهم الميكروبية المعوية.

لمعرفة كيفية نقل جينات المقاومة المضادة للميكروبات من الميكروب إلى مُسبّب المرض، أقام الباحثون مقارنات حذرة بين البيانات المأخوذة من العينات و"قاعدة البيانات الشاملة عن مقاومة المضادات الحيوية" (مرجع صحي لتوثيق جينات المقاومة).

رصدت دراسات سابقة اختلافات بارزة في مواصفات الجينات المقاوِمة لمضادات الميكروبات في بلدان مختلفة شملت بيانات كافية في تلك الفترة. لكن من خلال دراسة أشخاصٍ ما كانوا يأخذون مضادات حيوية، رصد الباحثون نزعتَين مختلفتَين، فاكتشفوا مجموعتَين من الجينات المقاوِمة لمضادات الميكروبات في البيئة الميكروبية المعوية، واستنتجوا أن الكمية الإجمالية من تلك الجينات ونسبة تنوّعها تختلف بحسب مستوى استهلاك المضادات الحيوية في ذلك البلد.

يقول كوينس: "اكتشفنا أن سكان البلدان التي تشهد استهلاكاً منتظماً للمضادات الحيوية يسجلون أيضاً أعداداً متزايدة من جينات المقاومة في بيئتهم الميكروبية المعوية".

كانت هذه الروابط قوية على نحو لافت. لهذا السبب، قد يؤدي استعمال المضادات الحيوية على نطاق واسع إلى انتشار الجينات المقاوِمة لمضادات الميكروبات وسط السكان بدل أن تنحصر بين من يتعرّضون لها مباشرةً، وقد تنتشر هذه الجينات أيضاً في البيئة الميكروبية كلها.

برأي الباحثين، قد تُركّز دراسات أخرى على استكشاف هذا الموضوع في بلدان إضافية وتقييم استراتيجيات الصحة العامة المعتمدة.

أخيراً، تذكر الأبحاث أن مقاومة مضادات الميكروبات تقتل آلاف الأوروبيين سنوياً، ومن المتوقع أن تتفاقم المشكلة مستقبلاً. إنه وضع مقلق لأن المقاومة المضادة للميكروبات كانت ثالث سبب رئيسي للوفاة حول العالم في العام 2019، فقد سبّبت 4.95 ملايين حالة وفاة.

يقول فالك هيلدبراند، عالِم في المعلوماتية الحيوية في "معهد إيرلهام" و"معهد كوادرام": "هذه الدراسة بالغة الأهمية لأنها تقيّم للمرة الأولى أثر استعمال المضادات الحيوية في البلدان على الجراثيم التي نتعايش معها بطريقة كمّية، كما أنها تعطينا لمحة عن أنواع المقاومة الشائعة والقابلة للتطور".

نُشِرت نتائج البحث في مجلة "ناتشر كومنكيشن".


MISS 3