أنشال فوهرا

ولاء أورسولا فون دير لاين للولايات المتحدة أكبر من أن تتحمّله أوروبا؟

9 أيار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

جو بايدن مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في البيت الأبيض | واشنطن، 10 آذار 2023

في الشهر الماضي، حاولت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إطلاق مسار جديد في السياسة الأوروبية تجاه الصين، بعد أسابيع قليلة على عودتها من واشنطن وقبل أيام على مغادرتها إلى بكين. هي ألقت خطاباً في 30 آذار، وقالت فيه إن الحزب الشيوعي الصيني يسعى إلى إحداث "تغيير منهجي في النظام الدولي"، حيث تصبح الصين المحور الأساسي وتنتقل إلى "حقبة جديدة من الأمن والسيطرة"، في إشارة إلى تحوّل بكين إلى مركز قوة مواز في وجه الهيمنة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة في مجال السياسة العالمية.



لم تتردد فون دير لاين في انتقاد الوضع حين سافرت إلى بكين بعد مرور أسبوع، فحذرت الصين من تسليح روسيا وتغيير الوضع القائم في تايوان بشكلٍ أحادي الجانب، ولامت الحزب الشيوعي الصيني على انتهاكات حقوق الإنسان في "شينجيانغ"، وأعلنت بأسلوبٍ حازم أن أوروبا مستاءة من العجز التجاري الناشئ. حتى أنها طالبت بفرص متكافئة للشركات الأوروبية، وعبّرت عن توجّه أوروبا إلى تخفيف اتكالها على الصين لتأمين المواد الخام ومراقبة طريقة تقاسم التقنيات الأساسية التي طورتها الشركات الأوروبية.

كان ذلك التحليل مقنعاً للغاية. لكن برأي بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، بدا وكأن فون دير لاين تُعبّر عن وجهة نظر الولايات المتحدة بدل طرح سياسة أوروبية موحّدة. في العام 2019، اعتُبِرت الصين شريكة ومنافِسة في آن في وثيقة الرؤية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي بشأن العلاقات الأوروبية الصينية، ولا تزال الدول القومية في الاتحاد المؤلف من 17 عضواً منقسمة جداً حول معنى ذلك التصنيف. توجّه دول أوروبا الشرقية والوسطى انتقادات للصين، بما يتماشى مع آراء الولايات المتحدة التي تعتبرها تلك البلدان ضامنة لأمنها. في المقابل، لا تريد الدول الكبرى في أوروبا الغربية أن تخضع لواشنطن، أو ربما لا ترغب في مضايقة الصين أو تخريب العلاقات الاقتصادية معها بكل بساطة.

تلاحقــــت ردود الأفعال على مواقف فون دير لاين الصارمة سريعاً. لجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان في بكين خلال الزيارة نفسها، إلى أسلوب المجاملة في تعامله مع الصين وفضّل إبعاد الأوروبيين عن أهم حليف لهم على الطرف الآخر من الأطلسي، فقال إن الأوروبيين يجب ألا يصبحوا "أتباعاً" للولايات المتحدة و"ألا يتورطوا في أزمات لا تعنيهم"، في إشارة إلى تايوان، ويمنعوا أوروبا من بناء "استقلاليتها الاستراتيجية".

تُعتبر فون دير لاين مسؤولة موالية للولايات المتحدة في ظل انتشار استياء ملحوظ في بعض العواصم الأوروبية بسبب استفادة قطاع الدفاع الأميركي من أزمة أوكرانيا. قدّمت الولايات المتحدة معدات بقيمة 15.2 مليار دولار لدعم الدفاع الأوكراني، بينما قدّم الاتحاد الأوروبي معدات بقيمة 8 مليارات يورو (حوالى 8.27 مليارات دولار). كذلك، يشعر الأوروبيون بالاستياء لأنهم مضطرون لشراء الغاز الأميركي بسعرٍ يفوق كلفته داخل الولايات المتحدة بأربعة أضعاف.

ربما كانت فون دير لاين تحاول تقليص الأضرار، لكنها اتُّهِمت بالتسرّع حين حاولت انتزاع إعفاءات لصالح الشركات الأوروبية التي تصدّر موادّ أساسية إلى الولايات المتحدة، فتستفيد في هذه الحالة من الإعانات الأميركية وتحافظ على قدرتها التنافسية.

في هذا السياق، تقول ماري بيار فيدرين، نائبة فرنسية في البرلمان الأوروبي، إن فون دير لاين أطلقت مفاوضات مع الولايات المتحدة أثناء رحلتها إلى واشنطن "من دون أخذ أي تفويض ومن دون إبلاغ الدول الأعضاء". برأيها، يجب أن تعيد أوروبا النظر بجميع سلاسل إمداداتها وعلاقاتها مع مختلف الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة.

تضيف فيدرين: "يجب أن نخوض هذا النقاش في أوروبا قبل أن نقوم بتعميمه. ويجب أن نعمل على تعزيز استقلاليتنا الأوروبية، ونبتكر خطوط إنتاج وسلاسل إمدادات أوروبية. لهذا السبب تفاجأنا حين أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية التزامها بعقد اتفاق مع الولايات المتحدة حول المواد الخام الأساسية".

وحتى عندما اعتبرت فون دير لاين فك الارتباط عن الصين خياراً غير مستدام ودعت إلى تقليص المخاطر، وهي سياسة تتماشى مع منطق تفكير ألمانيا وفرنسا، أصرّ الكثيرون على اعتبار موقفها محاولة لمحاصرة الدول الكبرى وإجبارها على صياغة سياسة تجاه الصين.

منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في شباط 2022، تقبّلت الحكومة الألمانية فشل سياستها التي ترتكز على تغيير المواقف من الأنظمة الاستبدادية عن طريق التجارة، فأعلنت أنها تحتاج إلى إعادة النظر بالعلاقات مع الصين، لكنها لم تكشف بعد عن أي استراتيجية شاملة.

يقول الخبراء إن ألمانيا وفرنسا لا تختلفان بالضرورة حول جوهر اقتراحات فون دير لاين بل حول أسلوب طرحها.

يوضح ستيفان ليهني، مسؤول بارز في مركز كارنيغي الأوروبي في بروكسل: "بات الأوروبيون يدركون أن الاتكال الأحادي الجانب على الصين لتلقي العناصر الأرضية النادرة، والليثيوم، والكوبالت، ليس خياراً مستداماً. حصلت مبادرات تشريعية كثيرة في الاتحاد الأوروبي لتنويع سلاسل الإمدادات بهدف مقاومة أسلوب الإكراه الصيني".

يعترف أعضاء الاتحاد الأوروبي بأنهم خففوا اتكالهم على الصين وصاغوا "قانون المواد الخام الحيوية" الذي يدعو إلى استكشاف فرص التعدين داخل أوروبا، وشراء المواد الخام من دول غنية بالموارد، وبناء قدرات تكرير خاصة بأوروبا.

تشمل الصين أكبر رواسب من العناصر الأرضية النادرة التي تُعتبر ضرورية للسيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والألواح الشمسية، وقطاعات كثيرة أخرى، وهي رائدة عالمياً في مجال تكرير مواد خام مثل الليثيوم الضروري لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وأجهزة أخرى. من المتوقع أن يرتفع طلب الاتحاد الأوروبي على العناصر الأرضية النادرة بأربع مرات ونصف بحلول العام 2030، لكن سيرتفع الطلب على الليثيوم لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية بإحدى عشرة مرة.

تكلم إيان ليسير، نائب رئيس "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة"، عن حصول تغيير واضح، مع أن معظم اللاعبين الأوروبيين الأساسيين يحملون نظرة مختلفة عن بكين. هو يقول إن موقفهم من الصين زاد صرامة وأنهم يوافقون في المبدأ على معظم مواقف فون دير لاين حين تكلمت عن السياسة الأوروبية، حتى لو كانت المصطلحات التي يستعملونها مختلفة أحياناً.

صرّح ليسير لصحيفة "فورين بوليسي" من بروكسل: "تظن فون دير لاين أن مصالح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة غير قابلة للفصل وأن نهجنا يجب أن يكون متقارباً بكل وضوح. لكن بعيداً عن المواقف الصادرة عن المفوضية الأوروبية وبعض الدول الأعضاء، لا تبدو طريقة التعامل مع الصين مختلفة جداً".

مع ذلك، يظن آخرون أن فون دير لاين تخدم المصالح الأميركية بكل قوتها، لكنها تفتقر إلى القدر نفسه من الحماس في مسائل بالغة الأهمية بالنسبة إلى مستقبل الاتحاد الأوروبي.

يقول دانيال فروند، عضو في البرلمان الأوروبي من "حزب الخضر" الألماني: "نحن لم نشاهد أي جهود مكثفة لتطبيق الإصلاحات في الاتحاد الأوروبي، وأعتبر هذا الوضع مرعباً. يحتاج [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين إلى عضو واحد فقط للاعتراض على قراراتنا، وقد وجده في المجر". برأي فروند، "ترددت فون دير لاين في مواجهة [رئيس الوزراء المجري فيكتور] أوربان" لأنها تأتي من الفريق السياسي المحافِظ نفسه، وهو "حزب الشعب الأوروبي".

يضيـف فروند: "يناقـــش الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة خيار إلغاء بند اتخاذ جميع القرارات بالإجماع كي لا يصبح الاتحاد رهينة للمجر. رحّبت فون دير لاين بهذه الفكرة لكنها لم تُعطِها الأولوية، بل وافقت على مضض على تجميد تمويل المجر، وأعلنت عن خطة تعاف لصالح بولندا من تمويل الاتحاد الأوروبي رغم المخاطر المطروحة على استقلالية السلك القضائي".

أزعجت قرارات فون دير لاين المركزية الكثيرين في أعلى مراتب الاتحاد الأوروبي. هي متّهمة بتهميش أكثر من 24 مفوّضاً، والتعاون مع مجموعة صغيرة من المستشارين، والتصرف وكأنها رئيسة الولايات المتحدة. لكن لا أحد يشكّ في المقابل بإدمان هذه السياسية الألمانية على العمل منذ انتقالها إلى غرفة نوم كانت حمّاماً في السابق وتقع في الطابق الثالث عشر من مبنى "بيرلايمونت"، مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

يقول ليهني من مركز كارنيغي الأوروبي: "فون دير لاين مُصمّمة على تحديد معالم سياسة المفوضية ككل. من الطبيعي أحياناً أن يرفض أحد المفوضين النهج المقترح، وقد تصدر ردود أفعال قوية من الدول الأعضاء أيضاً. لكنها رسّخت نفسها كلاعبة قوية في نهاية المطاف".

يظن البعض أن فون دير لاين تقوم بعملها كرئيسة المفوضية الأوروبية بكل بساطة. وحتى الفريق الذي لا يحبّذ مقاربتها، التي تبدأ من أعلى المراتب وصولاً إلى أقلّها مستوى، يشيد بها لأنها دعت سريعاً إلى فرض العقوبات على روسيا، فيما كان عدد من كبار قادة أوروبا يهدر الوقت ويأمل في ألا يجرؤ بوتين على استعمال إمدادات الغاز كسلاح بحد ذاته. سبق وحصلت فون دير لاين على دعم "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" المحافِظ الذي تنتمي إليه في حال قررت الترشّح لولاية ثانية، ولا شك في أنها ستحصد دعم البيت الأبيض أيضاً.