د. ميشال الشماعي

الأزمة الحقيقيّة

17 آذار 2020

03 : 30

يعاني لبنان اليوم من سلسلة أزمات، صحيّة ونقديّة وسياديّة؛ لكن من ورائها تتخفّى الأزمة الحقيقيّة التي تكمن في الملفّ السياسي، حيث صار لبنان عاجزاً عن معالجة أيّ ملفّ، لأنّ أهل الحكم يرفضون معالجة الأساس. فهل سيستطيع لبنان تخطّي هذه الأزمات من دون معالجة الأزمة الحقيقيّة؟ وهل هنالك حلول لها؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ الحال التي وصلنا إليها تكمن مسبّباتها في أسباب غير مباشرة، وليست نابعة من تردٍّ أو سوء إدارة فحسب، بل هي متأتّية من انعكاسات تركت أثرها بطريقة مباشرة في الحياة الشخصيّة لكلّ مواطن يعيش في لبنان. وفي هذه المسألة تعدّ على الحريّة الكيانيّة الشخصيّة لأي مواطن يعيش في هذا البلد. وبما أنّ السلطة السياسيّة لا تعالج الأزمة بحقيقتها فإنّ الأوضاع ستسوء أكثر فأكثر حتّى الانفجار الكبير.

ولأنّ لبنان أخضع نفسه بإرادة فريق السلطة الآنيّة ومَن خلفها، أي "حزب اللّه"، للمحور الايراني السوري الذي بات في صراع مع العالم بأسره، ولأنّ لبنان يرفض القبول بالحلول المطروحة من الجهات العالميّة في المجال النّقدي، ولأنّه لم يتّخذ أي إجراءات حازمة في الملفّ الصحّي مسايرة لهذا المحور؛ لهذه الأسباب مجتمعة لن تتمكّن هذه السلطة من اجتراح أيّ حلّ، لا سيّما وأن اتّكالها على أسيادها المحوريّين باء بالفشل؛ وذلك لأنّهم في ورطة عالميّة ومحلّيّة كلّ في بلده، حتّى مع أهله وناسه.

في الملفّ النّقدي والاقتصادي لا يبدو أنّ الاجراءات الاقتصاديّة التي اتّخذها النّظام السوري كفيلة بإنهاض بلاده اقتصاديّاً، وذلك لأزمات عدة يعانيها هذا النّظام. أمّا في إيران فهي لم تستطع أن تتفلّت من العقوبات الأميركيّة بشكل كلّي، لئن تفلّتت منها جزئيّاً عبر مطار بيروت ومرفئها وحدود لبنان البرّيّة المسخّرة لخدمتها فقط؛ وذلك لأنّ هذه العقوبات صارت بطريقة تصاعديّة وباتت تطاول شرايين الحياة اليوميّة لهذا البلد.

أمّا بالحديث عن الأزمة الصحيّة العالميّة فيبدو أنّ الترتيبات الخجولة التي يتّخذها هذان النّظامان ستساعد أكثر فأكثر في سقوطهما. وهذه المسائل كلّها أرخت بثقلها على الحياة اللّبنانيّة التي صارت رهينة لهذين النّظامين بفعل ارتهان الجهة السياسيّة المتحكّمة بالسلطة؛ أي "حزب الله".

من هذا المنطلق، طالما نظام "حزب الله" عازم على الارتهان للنظامين السوري والايراني، وطالما أنّ السلطة في لبنان ترفض المعالجة السياسيّة التي تكمن في تغليب السيادة اللّبنانيّة على كلّ شيء، لن يستطيع لبنان معالجة أيّ أزمة؛ بل أكثر ما يمكن فعله هو مجرّد إدارة لها، لن يصل حتّى إلى حدّ احتوائها.

يبقى أنّ الحلول ليست معدومة بل تندرج في خانة الحلّ السياسي الذي يستلزم ترسيخ السيادة اللّبنانيّة فعليّاً على حدود الـ 10452 كم2. وذلك يكون بتفعيل سلطة الدّولة اللبنانيّة على كامل أراضيها. فضلاً عن البدء بمعالجة جدّيّة للأزمة النّقديّة لأنّ الخطط المفروض تطبيقها معروفة جدًّا. تبدأ بتسكير مزاريب الهدر التي تستفيد منها أنظمة "حزب الله" و"البعث" و"الملالي". كما البدء بمعالجات جديّة في المواضيع التي تستنزف الاقتصاد اللبناني، وأوّلها ملفّ الكهرباء.

أمّا في ما يتعلّق بالملفّ السيادي، فيجب ألا تنتقص السيادة بعد اليوم، عبر وجود دويلة "حزب الله" وسط الدّولة التي يسيطر "الحزب" على مقدّراتها السياسيّة والاداريّة بشكل مباشر، أو غير مباشر بشكل شبه كامل. ويجب ألا تتمّ معالجات تقتصر على "الحزب" وجمهوره فقط، بل يجب أن تصبح هذه الحلول بيد الدّولة وحدها على قاعدة لامركزيّة إداريّة. وإن لم تتمكّن الدّولة من استعادة قبضتها السياسيّة فسيسقط الهيكل على رؤوس الجميع. وقد أعذر من أنذر!


MISS 3