يمكن اعتبار كلمة الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله في ذكرى مصطفى بدر الدين الجمعة الماضي محطة لتكريس قوّته وهيمنته عبر وضع اليد على المواقع المسيحية في الدولة بدءاً من تكريس التحكّم برئاسة الجمهورية، مروراً باعتبار منصب المدير العام للأمن العام موقعاً متقدّماً للشيعة في الدولة، وليس انتهاءً بإعطاء الإشارة لاحتلال منصب حاكمية مصرف لبنان، مع الرفض المعلن لأيّ تغيير في منطلقات ومسالك الحزب في ضوء الاتفاق السعودي الإيراني.
تحدّث نصرالله عن أنّ «الأبواب ما زالت مفتوحة للنقاش والحوار والتلاقي في ملف رئاسة الجمهورية، ونحن لا نفرض مرشحاً على أحد وليرشّح كلّ طرف أي اسم يريد ولنذهب إلى المجلس لانتخاب رئيس، والوزير السابق سليمان فرنجية ليس مرشح صدفة بالنسبة إلينا بل هو مرشح طبيعي وجدّي. إلا أنّ هناك تقاطعات واضحة توحي بأنّ الموقف الإيراني يعمل على اتجاهين:
ــ الأول: نزع فتائل التفجير الأمني والميداني، داخلياً وخارجياً لتأمين الهدوء الإقليمي، وهنا يمكن فهم تحييد الجبهة الجنوبية عن اشتباك غزة.
ــ الثاني: ممارسة أقصى درجات التصلّب في سبيل الحصول على الحدود القصوى من المكتسبات الداخلية بعد الاتفاق الإيراني السعودي.
يمكن فهم هذه التوجّهات من جملة إشارات أطلقها نصرالله، أهمّها تشغيل الدولة بشكل شبه طبيعي حتى لو كان رئيس الجمهورية (المسيحي) ممنوعاً من أن يُنتخب، وذلك من خلال دعوة نصرالله حكومة تصريف الأعمال إلى مواصلة مهامها وتحمّل مسؤولياتها، وإلى تشكيل وفد وزاري لبحث إشكالية النزوح السوري مع المسؤولين في دمشق، وكذلك دعوة مجلس النواب إلى أن «يكمل التشريع بشكل طبيعي وليس فقط تشريع الضرورة».
الأخطر هنا كشفُ نصرالله عن موقف «حزب الله» من إشكالية الشغور المحتمل في منصب حاكم مصرف لبنان عندما قال إنّه ليس مع «تعيين حاكم لمصرف لبنان، فلا تعيين ولا تمديد لحاكم مصرف لبنان، وعلى الجميع تحمّل مسؤولياته وعدم التخلي عنها».
وفي ذلك إشارة إلى أنّه يريد أن يتولّى النائب الأول للحاكم (الشيعي) وسيم منصوري الحاكمية، تماماً كما حصل لدى شغور منصب المدير العام للأمن العام مع تقاعد اللواء عباس إبراهيم فتولى مكانه العميد الياس البيسري، «رغم أنّه موقع شيعيّ متقدّم» في الدولة وهذا تعبير يحمل الكثير من الأبعاد لجهة تصنيف المواقع طائفياً، خاصة أنّ لمديرية الأمن العام تاريخاً ارتبط بالحضور المسيحي قبل أن يسيطر عليها الشيعة وتصبح «مكتوبة باسمهم» والحال نفسه مع وزارة المال.
موقف نصرالله يعاكس ما دأب برّي على إعلانه وتسريبه في هذا المجال ويؤكّد أنّ القرار لدى الحزب يقضي بتولّي منصوري الحاكمية لتسجيل سابقة بتولّي شيعي هذا المنصب في إطار مراكمة الاختراقات والهيمنة على مواقع الدولة في قلب الصراع الدائر على لبنان المنتظر.