قدّمت آنا نيكول سميث، على مرّ حياتها القصيرة، مجموعة متنوّعة من الأدوار أمام الكاميرات ووراء الشاشة، فبدت مختلفة عن جميع المحيطين بها. حتى اسمها كان جزءاً من شخصية مفبركة، بما يشبه شخصية مارلين مونرو التي كانت سميث تعتبرها قدوة لها. اعتُبِرت هذه الشقراء الجذّابة رمزاً لتنوّع الهوية النسائية التي تتراوح بين المرأة الفاضلة (زوجة، أم، فتاة بريئة) والمرأة الفاسقة (راقصة تعرٍّ، صائدة ثروات ذكية، بيئة خصبة للفضائح). وُلِدت سميث باسم فيكي لين هوغان، وسرعان ما تخلّت عن حياتها الشاقة في بلدتها الصغيرة وانتقلت إلى عالم النجومية عبر الظهور على غلاف مجلة "بلاي بوي" والتحوّل إلى نجمة سينمائية أنيقة.
يرتكز الوثائقي Anna Nicole Smith: You Don’t Know Me (آنا نيكول سميث: أنتم لا تعرفونني)، للمخرجة أورسولا ماكفارلين، على الفكرة القائلة إن سميث التي اشتهرت خلال التسعينات كانت تقدّم عرضاً تمثيلياً طوال حياتها، وتجسّد شخصية صنعتها بنفسها وظنّت أنها تستطيع التحكّم بها، إلى أن سيطر عليها جوع الشهرة والمال، فطغت هذه النزعة على طموحاتها الأخرى. يُركّز هذا الفيلم الذي تعرضه شبكة "نتفلكس" على طيبة قلبها وتعقيداتها الغامضة، ويحاول استكشاف السبب الذي جعلها تخفي هويّتها الحقيقية عن الجميع، وحتى عن نفسها. لكنه يتوصل في نهاية المطاف إلى استنتاج مخيّب للآمال مفاده أننا لن نعرف يوماً آنا نيكول الحقيقية لأن موتها في العام 2007 يمنعها من العودة للتعريف عن نفسها. سنشاهد بكل بساطة انطباعات أشخاصٍ كانوا يعرفونها ونتذكر النسخة المرحة والمبالغ فيها التي اختارت إظهارها أمام الكاميرات.
ترتبط مواضيع الهوية والخيانة بعدد كبير من الرجال في حياتها. لم يكن بعضهم يحمل أي أجندة شائكة، منهم ابنها دانيال (هو يرمز إلى موت آمالها وأحلامها)، وزوجها الملياردير ج. مارشال هاورد (كانا يتبادلان حباً صادقاً). لكن حاول رجال آخرون استغلالها، ومن بينهم مصوّرو الباباراتزي المتوحشون، ووالدها البيولوجي دونالد، وطبيبها الغامض سانديب كابور. يريد صانعو العمل أن يتعاطف المشاهدون مع سميث، لكنهم يُلمِحون في الوقت نفسه إلى أنها كانت تستعمل جمالها وسذاجتها كسلاح بحدّ ذاته. حتى أن شخصَين من الذين يشاركون في المقابلات اعتبراها امرأة انتهازية.
لا تلتزم المخرجة ماكفارلين دوماً بالعناوين التي تظهر على الشاشة وتشير إلى الأماكن والأزمنة لتسهيل سرد الأحداث التي عاشتها سميث، إلى جانب رسومات برّاقة لعرض عناوين الصحف التي تصدّرتها في معظم الأوقات. سيتذكّر كل من عاصر الحقبة التي طغت فيها سميث على عناوين الأخبار وخضعت لتدقيق المجتمع المحيط بها جزءاً كبيراً من تلك الألاعيب القذرة من دون الحاجة إلى هذا النوع من الإضافات. تبدو المحاكمة الخاصة بالإرث المتبقي لها من زوجها مارشال لامتناهية. على صعيد آخر، سنتابع سماع صدى خطابها المتلعثم حين قدّمت "جائزة الموسيقى الأميركية" إلى كانييه ويست. يكشف أحد أصدقائها أيضاً أن خسارتها جزءاً كبيراً من وزنها لا ينجم بكل بساطة عن أخذ نوع من مدرّات البول، بل كانت المشكلة ترتبط باضطراب غذائي أيضاً. في مرحلة لاحقة، كانت محاولة سميث الابتعاد عن الأضواء، عبر الاختباء في كوخ أحد أصدقائها الجدد في ماليبو، بمثابة طلب استغاثة لم يستجب له أحد.
لكن لا نفع من إعادة صياغة هذه الأحداث المعروفة من دون تقديم معلومات جديدة. يحاول الفيلم تطبيق مقاربة مزدوجة، فهو ينتقد هوس وسائل الإعلام الوحشي بحياة سميث الصاخبة لكنه يستعمل أساليبها في الوقت نفسه. هذا النهج المتناقض يجعل شخصية سميث غامضة أكثر من أي وقت مضى، ما يعني فشل الفيلم في مواساة كل من كان يحبها أو وضع حدّ لتساؤلاتهم. تبلغ ابنة سميث 16 عاماً في الوقت الراهن، لكنها لن تجد على الأرجح أي أجوبة وافية عن والدتها في هذا الوثائقي.
رغم جميع الجهود التي يبذلها صانعو العمل لتقديم صورة متوازنة عن هذه النجمة ذات الإرادة القوية، يبدو الفيلم في نهاية المطاف لامعاً من الخارج وأقل ابتذالاً بقليل من الأعمال التي تُعرَض تحت شعار "قصص حقيقية من هوليوود". هو يستهدف في المقام الأول الفئة التي تستمتع بمشاهدة قصص مأسوية عن الأغنياء والمشاهير. ينتقد الفيلم النزعة إلى التلصص على حياة المشاهير، لكن لن يكون هذا النقد كافياً لتقديم محتوى قوي ومؤثر، حتى أنه يتدخل بدوره في حياة المشاهير حين يعرض تفاصيل شخصية عن سميث.
على عكس فيلم Pamela, A Love Story (باميلا، قصة حب)، الذي يعرض قصة زميلة سميث، باميلا أندرسون، من وجهة نظرها الشخصية، حيث يتسنى لها أن تقدّم حقيقتها أمام العالم، يعجّ فيلم ماكفارلين بالأكاذيب التي ابتكرتها سميث بكل ذكاء لحماية نفسيّتها من أي صدمات ماضية ومستقبلية، قبل أن تعود وتواجه تلك الصدمات التي حاولت تجنّبها. ربما كانت سميث امرأة معقّدة وواجهت مشاكل صنعتها بنفسها. لكن عند الكشف عن بعض المعلومات الجديدة في اللحظات الأخيرة، قد نسمع ضمناً صوت آنا وهي تُردّد عنوان الوثائقي الفرعي، ما يعني أن أحداً لن يعرف حقيقتها عبر هذا الفيلم.