زينة طراد

مدير "المعهد المتوسطي لمكافحة الأمراض المُعدية" في مارسيليا

ديدييه راوولت لـ"نداء الوطن": الدواء الذي جرّبناه ناجح ويجب إحراز تقدّم من دون تأخير

24 آذار 2020

08 : 38

أصدر ديدييه راوولت، مدير "المعهد المتوسطي لمكافحة الأمراض المُعدية" في "معهد المستشفى الجامعي" في مارسيليا، نتائج تجربته العيادية حول علاج فيروس كورونا عبر استعمال أحد مشتقات الكلوروكوين. اختفى الفيروس لدى ثلاثة أرباع المرضى المصابين بالعدوى بعد مرور ستة أيام على تلقي ذلك العلاج، ما يعني أنهم شُفِيوا بالكامل! من المنتظر أن تصبح هذه التركيبة من الأدوية جزءاً من دراسة واسعة اسمها "ديسكوفيري" بدءاً من يوم الجمعة المقبل، على أن تشمل مئات المرضى من أوروبا، لا سيما فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.



هل تستطيع أن تشرح لنا الدراسة التي أجريتَها حول استعمال الهيدروكسي كلوروكوين لمعالجة المصابين بفيروس كورونا؟

حين نشر الصينيون تجاربهم الواعدة حول الكلوروكوين وأحد مشتقاته، وهو الهيدروكسي كلوروكوين، قدّموا لنا نتائج أولية عن العلاجات المستعملة في هذا المجال. في تلك اللحظة بالذات، اقترحتُ مع فريقي في مارسيليا أن نفكر بمفعول هذا العلاج على المصابين بفيروس كورونا. أنا أعرف دواء الهيدروكسي كلوروكوين جيداً لأننا ابتكرنا علاجات ناجحة لاستهداف الأمراض الجرثومية المُعدية داخل الخلايا عبر استعمال هذا الدواء مع الأموكسيسيلين. تشكّل هذه الدراسات مراجع للحالات التي عالجتُ فيها 4 آلاف مريض. أنا مُطّلع أيضاً على آثاره العلاجية. لذا اقترحنا سريعاً أن نعالج المصابين بفيروس كورونا بالهيدروكسي كلوروكوين وبالجرعة التي أَصِفها منذ 25 سنة، أي 600 ملغ يومياً.يجب أن يعرف الجميع أن الهيدروكسي كلوروكوين دواء يسهل أن يتقبله الجسم وهو يُستعمل منذ 30 عاماً لمعالجة الأمراض الالتهابية. هو يشتق من دواء الكلوروكوين الذي يُستعمل منذ 60 سنة لمحاربة الملاريا ويأخذه أشخاص في عمر محدد يأتون من البلدان الاستوائية أو يعيشون فيها.


في أي مرحلة من المرض يمكن تلقي هذا العلاج؟

تمت المصادقة على هذا البروتوكول الذي وضعتُه اليوم على المستوى الوطني وأصبح رسمياً. لقد أخذنا 24 مصاباً بفيروس "كوفيد-19" وعالجناهم بدواء الهيدروكسي كلوروكوين، ونحن نحرص على مراقبة الحمل الفيروسي في المشاكل التنفسية لديهم عن قرب. إنها الآلية نفسها التي تُستعمَل للتعامل مع مرض الإيدز. لذا نقيس الحمل الفيروسي في الدم ونعالجه، ثم نكرر قياس الحمل الفيروسي لاحقاً ونرصد أي تراجع في عدد الفيروسات. يعني هذا التراجع أن الدواء فاعل. يمكننا أن نعلن نجاحه! وحين يختفي الفيروس بالكامل، يعني ذلك أن المرض تلاشى. لقد طبّقنا مقاربة خاصة بالقرن الواحد والعشرين، ففحصنا الناس وأعطيناهم دواءً محدداً ورصدنا أي تراجع في الحمل الفيروسي. حددنا مدة قصوى تصل إلى 6 أيام كي نتأكد من اختفاء الفيروس لدى المرضى بعد هذا العلاج. نعرف الآن من الصينيين أن فترة حضانة الفيروس تبلغ 20 يوماً، ما يعني أن الشخص المصاب يستطيع نقل العدوى طوال 20 يوماً! ينجح هذا الدواء في الحد من فترة تناقل العدوى وحصرها بستة أيام. إنه هامش بالغ الأهمية.


هل أجريتَ دراسات تقارن بين الكلوروكوين وأدوية أخرى؟وفي هذه الحالة، ما كانت النتائج التي توصّلتَ إليها؟

نعم أجرينا دراسات مماثلة، وقد اخترعنا هذه التركيبة المؤلفة من جزيئتَين في مركزنا في مارسيليا! عند التعامل مع مصابين بأي شكل من الفيروسات، نعلم منذ وقتٍ طويل أن الالتهابات الجرثومية الفائقة تؤثر على حدة المرض. نعرف هذه المعلومة منذ حقبة الإنفلونزا الإسبانية... يثبت بحث بالغ الأهمية أن استعمال الأزيثروميسين لاستهداف الالتهابات الفيروسية لدى الأولاد يُحسّن مسار المرض ويخفّض مدة المبيت في المستشفى. لذا اعتدنا أنا وفريقي على إضافة الأزيثروميسين إلى علاج المصابين بفيروس، إلى جانب الهيدروكسي كلوروكوين. ثم قمنا بقياس الحمل الفيروسي واستنتجنا تراجع مستواه بدرجة بارزة.في ما يخص فيروس كورونا الجديد، أو "كوفيد- 19"، حصلنا على فرصة الاستعانة بمجموعة مرجعية: من جهة، رفض بعض المرضى هذا العلاج. ومن جهة أخرى، وصل آخرون إلى مستشفيات في "نيس" من دون تلقي أي علاج لكنهم أرادوا المشاركة في هذه التجربة. خلال ستة أيام، لاحظنا اختلافات كبرى على مستوى الحمل الفيروسي بين من تلقوا العلاج ومن لم يتلقوه. كانت النتيجة مفاجئة نسبياً! وكان تجاوب المجموعة التي تلقّت علاجاً بالهيدروكسي كلوروكوين مع الأزيثروميسين مدهشاً بدرجة إضافية. لقد شُفيوا جميعاً من الفيروس خلال ستة أيام! كذلك، لاحظنا تحسناً واضحاً لدى هؤلاء المرضى خلال 24 إلى 48 ساعة! بعد انتهاء هذه المرحلة الأولى التي شملت 24 مريضاً، طلبنا إجراء تجربة جديدة تجمع بين الهيدروكسي كلوروكوين والأزيثروميسين لتوضيح تجربتي والتأكيد على نتائجها وتحديد المرضى المناسبين لتلقي العلاج.


هل يجب أن يتلقى جميع الأشخاص الذين يحملون الفيروس هذا العلاج لتجنب نقل العدوى؟

إنه سؤال معقد لأننا رصدنا إصابات رئوية واضحة خلال الفحص بالتصوير المقطعي المحوسب لدى مرضى لم يواجهوا أي أعراض. لا نعرف إذا كان هؤلاء الأشخاص مرضى أو أصحاء. يجب أن نكتشف إذا كانت هذه الفئة تحتاج إلى العلاج.


تقضي الخطوة الثانية بالتأكد من صوابية معالجة جميع حاملي الفيروس لتجنب انتشار العدوى. أظن أن هؤلاء يحتاجون إلى العلاج: عند الإصابة بأي نوع من الأمراض المُعدية، يجب أن يُعالَج حاملو الفيروس بدل أن يجهلوا وضعهم الحقيقي وينعزلوا في منازلهم من دون أن يعرفوا بإصابتهم بالفيروس أو عدم إصابتهم به. برأيي، يجب أن تُشخَّص الأمراض المُعدية في هذا العصر ثم تُعالَج عبر تقييم قدرتها على نقل العدوى نسبةً إلى حجم الحمل الفيروسي، أي عدد الفيروسات في العيّنات التنفسية. لقد أصبحنا في هذه المرحلة الآن...


هل أنت متفائل من الوضع؟

أنا مسرور لأن بلداناً كثيرة أبدت اهتمامها باكتشافنا منذ بدايته، وهي تريد إطلاق تجربة على ألف شخص، لا سيما في "أكسفورد" وتايلاند، وحتى في الولايات المتحدة. وفي إسبانيا، ستضم إحدى التجارب حول الكلوروكوين 200 شخص. في مطلق الأحوال، يُفترض أن نحرز التقدم من دون أي تأخير لإبطاء قدرة الفيروس على نقل العدوى سريعاً وكبحها بالكامل في نهاية المطاف. يجب أن نستفيد من هذه النتائج الأولية.


هل من مخاطر محتملة نتيجة الخلط بين الهيدروكسي كلوروكوين والأزيثروميسين؟وما هي حدود استعمال الكلوروكوين وكيف يتفاعل مع الأدوية الأخرى؟

إنه سؤال مشروع. لقد أجرينا فحوصات بتقنية تخطيط القلب الكهربائي كي نعرف إذا كان نوعا الأدوية يتفاعلان معاً أو يسببان مشاكل في إيقاع القلب. إنه احتمال افتراضي، لكن على حد علمي، ما من أدلة مثبتة على ظهور آثار معاكسة بارزة بسبب هذه التركيبة مقارنةً بعلاج الأزيثروميسين وحده، علماً أن هذا الأخير يسبّب بعض المشاكل في حالات نادرة جداً.





بالنسبة إلى أي مصاب بفيروس كورونا، ما هي تفاصيل هذا العلاج عملياً؟

نحن نعالج المصابين بهذا الفيروس بدواء الهيدروكسي كلوروكوين، مع جرعات نتحكم بها بدقة ونعرفها جيداً كما سبق وقلتُ في هذه المقابلة. في ما يخص الهيدروكسي كلوروكوين، تبلغ الجرعة اليومية 600 ملغ. لقد استنتجنا، خلال خمسة أيام، أن الكميات المُركّزة في المصل تبلغ 0.3 ميكروغرام/ملل. في المقابل، نستعمل الأزيثروميسين بجرعات تساوي تلك التي نستخدمها لمعالجة داء الفيالقة (من أخطر الأمراض الرئوية)، أي ما يساوي قرصَين في اليوم الأول، ثم قرص واحد في اليوم الثاني والثالث والرابع حتى موعد وقف الدواء.


ما هي المقاربة المختلفة التي طبّقتها كوريا الجنوبية مقارنةً بالبلدان الأخرى لاحتواء الوباء؟

لقد قرروا إجراء اختبارات مكثفة للسكان وعزل من يحملون الفيروس حصراً. حتى الآن، سمحت لهم هذه المقاربة بالسيطرة على مسار تطور الفيروس، من دون الحاجة إلى عزل جميع الناس. يجب أن نتوخى الحذر في مطلق الأحوال لأننا لا نملك معطيات كافية بعد. لا شك في أن إجراء الاختبارات بالوتيرة التي فعلتها كوريا الجنوبية كان مكلفاً جداً، لكن تبقى هذه الكلفة أقل بكثير من تكاليف تجميد الاقتصاد المحلي كله.


هل نملك القدرات التقنية اللازمة لإجراء اختبارات مكثفة بهذا الشكل؟

المشكلة ليست تقنية ولا طبية، بل تتعلق المسألة الحقيقية باتخاذ قرار استراتيجي وتنظيمي. إذا اتخذنا هذا القرار، يمكننا أن نجري اختبارات مكثفة بسرعة كبيرة.


هل يمكن تعميم العلاجات التي أعطتكَ نتائج واعدة سريعاً؟

الجزيئتان اللتان استعملناهما معروفتان منذ وقتٍ طويل، وتتراجع كلفتهما ويسهل إنتاجهما. عرضت شركة "سانوفي" على السلطات الفرنسية تقديم 300 ألف جرعة من الهيدروكسي كلوروكوين لتوفير هذا العلاج. ومن المنتظر أن تنطلق تجارب أخرى من جانب فِرَق مختلفة. أنا واثق من النتائج التي ستتوصل إليها.


ما هي فئات المرضى التي يناسبها هذا العلاج وفي أي مرحلة من المرض؟

وفق قَسَم أبقراط الذي أقسمناه، سننفذ واجبنا الطبي. سنحرص على أن يستفيد مرضانا من أفضل رعاية لتشخيص المرض ومعالجته. لذا قررنا أن نجري الفحوصات التي تشخّص عدوى "كوفيد-19" لجميع المرضى المصابين بالحمى حين يقصدوننا. وسنقترح العلاج في أبكر مرحلة ممكنة، أي منذ تشخيص المرض، على جميع المصابين بالعدوى، علماً أن عدداً كبيراً منهم لا يواجه أعراضاً بارزة لكن تكشف فحوصاته عن وجود إصابات رئوية.

سيكون العلاج عبارة عن خليط من الهيدروكسي كلوروكوين (ثلاث جرعات من 200 ملغ يومياً طوال 10 أيام) والأزيثروميسين (500 ملغ في اليوم الأول ثم 250 ملغ يومياً طوال 5 أيام إضافية)، تزامناً مع اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة في ظل استخدام هذه التركيبة بعيداً عن استعمالاتها الاعتيادية (أي إجراء تخطيط كهربائي للقلب قبل بدء العلاج ثم في اليوم الثاني). في حال الإصابة بالتهاب رئوي حاد، يمكن إضافة مضاد حيوي واسع الطيف إلى العلاج أيضاً.


معلومات إضافية
يدخل ديدييه راوولت يومياً إلى موقع صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" التي تقدم برأيه أفضل موجز عن آخر المستجدات حول فيروس "كوفيد-19" في العالم.

البروفيسور راوولت هو اختصاصي في الأمراض المُعدية وعالِم فيروسات له مكانة عالمية مرموقة.

استند راوولت إلى أبحاث أحد زملائه الصينيين لابتكار علاج نجح في شفاء معظم المرضى الذين حصلوا عليه. هو مشترك في أهم المجلات العلمية، مثل Nature أو Science، فيكتب فيها أو يشارك في صياغة حوالى مئة مقالة سنوياً، لذا يُعتبر من أهم ثلاثة باحثين في مجال الإنتاج العلمي.

تتماشى نتائج تجربته العيادية في "المعهد المتوسطي لمكافحة الأمراض المعدية" في "معهد المستشفى الجامعي" مع استنتاجات تشونغ نانشان التي تؤكد على فاعلية الكلوروكوين لمعالجة فيروس كورونا. الأفضل من ذلك هو أن خلط الكلوروكوين مع مضاد حيوي قديم، أي الأزيثروميسين، سمح بالتخلص من فيروس كورونا لدى أكثر من 90% من حاملي العدوى المشاركين في التجربة العيادية في مارسيليا. أصبح ديدييه راوولت مستعداً لمعالجة جميع المرضى الذين يأتون إليه لإثبات منافع هذا الخليط الدوائي بشكلٍ قاطع.

MISS 3