هل تحزن الحيوانات الأليفة بسبب الفراق فعلاً؟

02 : 00

يتّفق الخبراء على وجود مشاعر بدائية مثل الخوف او الغضب، لدى الحيوانات. لكن تكشف التحليلات التي تزداد تطوّراً ان البشر ينتجون عواطف في المناطق الدماغية التي نتقاسمها مع الثدييات الاخرى ويستعملون المجموعة نفسها من المواد الكيماوية الناقلة للاعصاب، لذا بدأ الاطباء البيطريون وخبراء آخرون يفترضون الآن ان عواطف الحيوانات قد تكون مشابهة لمشاعر البشر، ويبدو ان دراسات سلوكية متزايدة تدعم هذه الفرضية.



مشاعر بشرية لدى الحيوانات؟

هل تشعر الحيوانات الأليفة إذاً بالحزن عند موت رفاقها مثل البشر؟ تطلق ماريان دوكينز، أستاذة في سلوك الحيوان في جامعة "أكسفورد"، موقفاً حذراً حول هذه المسألة، فتقول: "من الواضح أن الحيوانات تمرّ بتغيّرات فيزيولوجية وسلوكية بعد خسارة رفيقها الاجتماعي، أو صغارها، أو عائلتها، لكن هل تترافق هذه التغيّرات مع تجارب واعية من المعاناة؟ يشعر البشر من جهتهم بقلق واعٍ من المستقبل، فيتساءلون عمّا يجب فعله للتكيّف مع الظروف ويفكرون باحتمال تعرّضهم للنبذ الاجتماعي ومشاكل أخرى".

لكن تبدو الدكتورة كارين أوفيرول أكثر ثقة برأيها. هي عالِمة في سلوك الحيوان من بنسلفانيا ورئيسة تحرير "مجلة السلوك البيطري". من وجهة نظرها، لم تتضح بعد طبيعة حزن الحيوان وعمقه على الأرجح، لكن تتعدّد الأمثلة اليومية التي تُظهِر فيها الحيوانات الأليفة عاطفة قوية عند موت رفيقها، لذا يصعب أن نزعم أنها لا تشعر بألم الفراق بقدر البشر.

شاهد مارك بيكوف، أستاذ فخري في علم البيئة وعلم الأحياء التطوّري في جامعة كولورادو، أمثلة عدة على حزن الحيوانات، بما في ذلك أمّات أسد البحر التي كانت تنوح بشكلٍ مؤثر حين شاهدت الحيتان القاتلة وهي تلتهم صغارها. كذلك، بدت الفِيَلة الكينية "تائهة" وراحت تدور حول ذيلها بعد نفوق أم القطيع. شاهد بيكوف أيضاً أنثى الثعلب الأحمر وهي تدفن شريكها بعد قتله على يد أسد الجبال. هي غطّت جسمه بأغصان الصنوبر المسننة والتراب ثم وقفت بصمت فوق قبره قبل التحرّك من مكانها.

يدعو عدد كبير من الخبراء الآن إلى التعامل بجدّية مع حزن الحيوانات، أو حتى مساعدتها على تجاوز خسارتها مثلما نفعل مع أي صديق أو فرد من العائلة.

أحياناً يكون الحل بسيطاً. توضح أوفيرول: "قد نحتاج بكل بساطة إلى مساعدة الكلب على اكتساب هوايات جديدة مثلاً. يمكنه أن يستمتع بالتجوّل في أماكن جديدة أو لقاء رفاق جدد".

حزن عميق

قد يصبح حزن الحيوان عميقاً بعد وفاة صاحبه الذي كان مقرّباً منه. كان كلب اسمه "سبوت" من فصيلة الراعي الاسكتلندي يرافق مالكه، المزارع جايك أندرسون، في كل مكان. حتى أنه كان يجلس معه على الجرّار الزراعي. عندما توفي جايك جرّاء نوبة قلبية في العام 2011، أمضى "سبوت" أول أسبوع وهو يبحث عنه في أنحاء المزرعة. حتى أنه شوهد وهو يقف على بوابة المزرعة وينظر إلى الطرقات بترقّب وكأنه يبحث عن أحد.

يقول ابن جايك، مايك: "بعد مرور ستة أشهر، كنتُ أقود جرّار والدي إلى المنزل من الكاراج حيث بقي لفترة. عندما فتحتُ باب الجرّار، حضر "سبوت" فوراً وراح يبحث عن شخصٍ آخر، وكأنه كان يأمل في رؤية والدي في مقعد السائق".

لكن في هذه الحالة أيضاً، قد تصبح الرفقة الجديدة مصدر مواساة في نهاية المطاف. كان مايك، وهو أب لثلاثة أولاد تحت عمر الثانية عشرة، يُشجّع "سبوت" دوماً على عيش حياة طبيعية مع عائلته. بعد مرور أكثر من سنة، كان الكلب لا يزال يبدو تائهاً من وقتٍ لآخر. لكنه وجد المواساة في أصدقائه الجدد.

لكن قد يؤدي حزن الحيوان أحياناً إلى الضعف الجسدي الذي نشاهده لدى البشر. تقول الطبيبة البيطرية، سارة هيث: "عندما نفقت قطة في أحد المنازل مثلاً، ظهرت مشاكل سلوكية واضحة لدى القطة الثانية التي كانت ترافقها. قد يتوقّف الحيوان عن الأكل وتنظيف نفسه في هذه الحالة، أو يبدأ بالبحث عن صاحبه طوال الوقت".

الروتين والإلهاء

يستطيع أصحاب الحيوانات أن يقدّموا المساعدة عبر ترسيخ روتين منزلي ثابت قدر الإمكان. قد تكون مصادر الإلهاء عبر الألعاب الجديدة والمثيرة للاهتمام مفيدة أيضاً، لكن يبقى الحزن على الفراق مساراً معقّداً وما من حلول بسيطة للتعامل معه. يختلف النظام الاجتماعي بين القطط والكلاب مثلاً، ما يعني أن اقتناء قطة أخرى للتعويض عن خسارة الحيوان الأصلي ليس نهجاً صائباً.

قد تستفيد القطط والكلاب من أجهزة نشر الفيرومون: إنها نسخ اصطناعية وعديمة الرائحة من المواد الكيماوية المهدئة التي تنتجها الحيوانات بنفسها ويمكن وضعها بالقرب من سرير الحيوان الأليف. كذلك، يمكن استعمال طوق مليء بالفيرومونات يتمّ إطلاقها ببطء خلال فترة شهر.

أحياناً، قد يصبح الحزن متواصلاً. وإذا دامت أعراض مثل الانسحاب الاجتماعي، أو فقدان الشهية، أو تراجع الطاقة والنشاطات، لأكثر من بضعة أسابيع، فقد يفكر أصحاب الحيوانات بطلب مضاد اكتئاب من الطبيب البيطري. لكن حتى لو بدا الحيوان مستاءً لفترة طويلة، لا داعي للقلق على الأرجح لأن الحزن عملية طبيعية يجب أن تمرّ بها الحيوانات، على غرار البشر.

أعطِ حيوانك الوقت والمساحة

كان قط غيل باركر، "روكي"، مقرّباً جداً من كلب الصيد الأيرلندي "ريني". بعد يومٍ على نفوق "ريني" بسبب السرطان في العام 2000، وضعت غيل طوقه حول تمثال كلب صيد أيرلندي بالحجم نفسه. سار "روكي" نحو التمثال ومدّ كفّه نحو الأعلى وراح يربّت على الطوق مرتَين. ثم استدار وسار بعيداً ببطء وهو يحني رأسه.

كان "روكي" يجلس أيضاً على طاولة بالقرب من صورة "ريني"، ويمدّ كفّه لتعديلها كي تصبح أمامه مباشرةً. حتى اليوم، بعد مرور 13 سنة تقريباً، ما زال "روكي" يجلس في غرفة الطعام وهو ينظر إلى خزانة خشبية فيها رماد "ريني"، وكأنه يمارس التأمل. لكن لم تظهر أي أعراض معاكسة أخرى على القطّ، وتعتبر غيل حزنه طبيعياً. هو لم يكن يحتاج إلى أي علاج، بل احتاج بكل بساطة إلى الوقت والمساحة للتعبير عن حزنه بعد خسارة رفيقه.

الموت أمام حيوان آخر

قد يكون القتل الرحيم تجربة الموت الأكثر شيوعاً وسط الحيوانات الأليفة. وفق قاعدة صارمة في هذا المجال، يُفترض ألا تشاهد الحيوانات ذبح حيوان آخر في المسلخ. لكن ماذا عن الموت الهادئ وغير الدموي عن طريق الحِقَن؟ يشعر جزء كبير من أصحاب الحيوانات اليوم بأن السماح للحيوان بمشاهدة رحيل رفيقه أو رؤية جثته لاحقاً قد يساعده على تقبّل فكرة الموت، فلا يضطرّ الحيوان الحي حينها لعيش المعاناة لأنه لا يعرف سبب اختفاء رفيقه من المنزل.

يتفاجأ الأطباء البيطريون بما يحصل حين يراقبون سلوكيات الحيوانات الأليفة إزاء الموت الرحيم. هي لا تتصرف مثل البشر في هذه الظروف. قد تتابع الاهتمام برفيقها حتى لحظة رحيله، لكنها تبدو لامبالية في المرحلة اللاحقة وتتصرّف وكأن الجثة غرض جامد مثل المفروشات.

قد يتعارض غياب ردة الفعل في هذه الظروف مع مفهوم الحزن، لكنه يعكس على الأرجح موقفاً مختلفاً من الحياة والموت.


الحيوانات الاليفة لا تحزن في جميع الحالات


يتصرّف البعض وكأنّ شيئاً لم يحدث، حتى ان الحيوان قد يصبح شديد الحركة، وكأنه يشعر بالراحة اخيراً. قد يكون الحيوان اكثر صراحة في التعبي عن عواطفه بكل بساطة.


اياناً، لا يشعر الحيوان بالحزن، بغضّ النظر عن السبب ولا يتصنّع الحزن على عكس البشر.


تعجز القطط والكلاب عن البكاء، لن من الواضح انها تستطيع التعبير عن عواطفها بطرق اخرى. اذا شعرت بأن حيوانك الاليف حزين، فسيكون حدسك صحيحاً على الارجح. في هذه الحالة حاول ان تعطيه الوقت والمساحة لتجاوز هذه المرحلة بأفضل طريقة. 


سرعان ما يتعافى، كما يفعل معظم البشر. قد لا تعود الحياة الى سابق عهدها يوماً، لكنّ الوضع "الطبيعي" الجديد يمنحنا حياة تستق ان نعيشها رغم كل شيء.