سناء الجاك

استعراض عرمتى ورسائله المكرّرة

24 أيار 2023

02 : 00

لا يحمل استعراض «حزب الله» في عرمتى جديداً. رسائله أصبحت مكررة، معروفة مقاصدها كما مضامينها كما أهدافها، إن لجهة تخويف اللبنانيين، أو لجهة شد عصب البيئة الحاضنة، أو لجهة استمرار تبرير وجود غير شرعي لجيش غير شرعي في وطن منتهكة أسسه بفضل مشروع المحور الإيراني واستراتيجيته وأذرعه.

والأهم أنّ مثل هذا الاستعراض لا علاقة له بعنوانه الظاهر ضد العدو الإسرائيلي، وتهديده إن هو «ارتكب حماقة» ليصار إلى تلقينه درساً لا ينساه. فالحماقة تبقى أخف وقعاً من الجرائم التي ينفذها هذا العدو كل لحظة بحق الفلسطينيين، وينتهك حرمة مسجدهم الأقصى ويغتصب أراضيهم لإنشاء المزيد من المستعمرات، ويغتال منهم من يريد ويقصف مناطقهم، ليهرعوا منهكين غارقين بدمائهم إلى الشقيقة مصر لإعلان وقف إطلاق النار، في حين يكتفي أصحاب الاستعراض بتشجيعهم ورفع معنوياتهم ومن ثم يستثمرون بقضيتهم عبر بضعة صواريخ، ويسمحون لهم بإطلاقها من الجنوب اللبناني، ويعللونهم بتوحيد الجبهات من دون أي تغيير عملي وعلى الأرض في معادلات التوازن الراسي حالياً، ولو عبر تفصيل صغير وعابر.

هو تهديد صوري لهذا العدو الذي يستخرج غازه من مياهنا الإقليمية البحرية بموجب اتفاق دولي باركه «الحزب» وبصم عليه بعد استعراض لا طائل منه، بطائرات مسيّرة حركت الهواء فقط عندما كانت تحلق فوق منشآت مصانة ومحفوظة من ضربات مباشرة تشكل فعلاً التهديد المطلوب. ومثل هذا الاستعراض لا يرقى بالطبع إلى مستوى الرد على الاستهداف المستمر ومنذ سنوات لـ»الحزب» ومشغّله الإيراني في الأراضي السورية، وضرب مخازن الذخيرة والصواريخ، ومن ثم العودة الآمنة والسالمة للطائرات المغيرة إلى قواعدها.

وليس في الإنذار الإسرائيلي على لسان المتحدث باسم الجيش، ورئيس هيئة الاستخبارات أهارون حاليفا، من أنه و»بعد 17 عاماً منذ الخطيئة التي ارتكبها نصرالله في 2006 يقترب جداً من ارتكاب خطيئة قد تؤدي بالمنطقة إلى حرب كبيرة وهو يقترب من هذه الخطيئة من لبنان ومن سوريا»، إلا التذكير باستمرار سياسة الشغل على القطعة التي لا تزال سارية المفعول. ما يعني أنّ مفاعيل هذه السياسة تقتصر على تهديد بتهديد وصاروخ بصاروخ ومعارك لحفظ ماء الوجه بين اللاعبَيْن على جانبي الحدود، وعندما تنقضي بالتصريحات والتصريحات المضادة، تطوى الصفحة إلى جولة إعلانية وإعلامية مقبلة.

بالتالي، يمكن تصنيف رسالة الاستعراض بأنّ صاحبها المتحكّم بالقرار اللبناني لا يزال مصراً على إفهام من يستعصي عليهم ذلك أنّ الأمر له، قبل الاتفاق السعودي – الإيراني وبعده، وقبل عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وبعده مع انطلاق البحث في حلول سياسية وأمنية، وتحديداً إذا ما تشدَّد العرب لجهة تطبيق بند «خروج الجيوش الأجنبية وغير الشرعية منها» ومنها «حزب الله».

من هنا تصبح منطقية مسارعة «الحزب» إلى استعراضه في عرمتى. ومن هنا، وتحديداً من هنا، يصبح منطقياً أن تفهم القوى السياسية التي تعلن معارضتها لـ»الحزب» وسلاحه واستعراضاته، أنّ حل الأزمة اللبنانية لا يكون بمطالبة الجيش للتصدي لمثل هذه المظاهرة المنتهكة للسيادة، فمثل هذه المقاربة هي استدعاء لحرب داخلية تجعل يوم «7 أيار» المجيد نزهة، كذلك المطالبة بنشر الجيش على كل الأراضي اللبنانية، ومن ضمنها الحدود من أقصاها إلى أقصاها.

والأهم أن حل الأزمة لا يتعلق بمعركة رئيس للجمهورية. فالرئاسة ليست العقدة، لكن استعادة القرار الوطني من يد «الحزب» ورأس محوره هو بداية الحل في لبنان... وإلا سنبقى «مكانك راوح» وسيصار إلى تشكيل الدولة اللبنانية في المرحلة المقبلة وفقاً لمصلحة «حزب الله» ورأس محوره الإيراني.


MISS 3