مجيد مطر

تساؤلات مشروعة

27 أيار 2023

02 : 00

لا أحد يقلّلُ، ولا ينبغي له، أن يقلّلَ من شأن الدعاوى التي رُفعت ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على خلفية شبهات فساد تحوم حوله، ومزاعم حول أعمال تزوير قام بها الحاكم لكشوفات مصرفية لإخفاء مصادر ثروته. فمنطق الشفافية والمساءلة يعتبر أن كلّ صاحبِ منصبٍ رسمي هو مسؤول من حيث المبدأ بحدود صلاحياته المنوطة به، بحيث تُبنى مسوؤليته إما على التورط المباشر وإما على عنصر الإهمال، ففي الحالة الأولى يُحاسب، أما في الثانية فعلى الأقل يقدم استقالته من منصبه. هذا يحصل في الدول التي تسيرُ فيها الأمور الادارية، السياسية والقضائية على نحوٍ سليم.

إنما لو افترضنا أنّ ملاحقة رياض سلامة تأتي من ضمن استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، لحكمتُ عليها شخصياً بالفشل، وحتمية عدم وصولها إلى خواتيمها المرجوة، لا بل ستؤدي حكماً، لنتائج عكسية، كون الأقوياء يملكون القدرة على جعل رياض سلامة كبش فداء، ليتم الاكتفاء به، خصوصاً إذا ربطنا الأمر بالسلوك الفرنسي العام حيال لبنان، حيث لا يمكن تجاهل محدداته تجاه جريمة المرفأ، وكيف أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، قد عوّم الطبقة السياسية مجتمعة، وأمّن لها الاعتراف الخارجي، بحجة أنّ المجتمع الدولي بحاجة لقوى يتعامل معها واقعياً ومن خلال المؤسسات الشرعية. هكذا قُدّمت المصالح على المبادئ.

هنا يصبح التساؤل مشروعاً: لماذا تقود فرنسا اليوم اوركسترا ملاحقة رياض سلامة، لتلعب الدور الحاسم في محاصرته وتسليمه فريسة سهلة للتحكم به داخلياً وخارجياً؟

فبعد اصدار قرار ملاحقة حاكم المصرف المركزي عبر الانتربول، وُضع بين فكيّ كماشة، بطرف داخلي، وهو قوي وقادر على حماية رياض سلامة أو تقديمه لقمة سائغة، وبطرف خارجي تمثله فرنسا. ومهما قيل في هذا الإطار: إنّ القضاء الفرنسي لا يعمل تحت الضغوطات السياسية، الا أنّ هذا لا يعني أن تصدُّر فرنسا الموقف في هذه القضية يخلو من شبهة السياسة.

فالبداية بملاحقة رياض سلامة غير واقعية، ولا تحدث فرقاً ولا تقدم حلاً، والتاريخ يؤكد أنّ تجارب محاربة الفساد في لبنان قد أثبتت فشلها، إمّا لأنّها بدأت من الصغار لا الكبار، وإمّا لأنّها بدأت كيدية تقوم على معايير مزدوجة.

صراع على ضفاف «المركزي»إنّ الاطلالة على السلوك الفرنسي في هذه القضية، الذي يتركز على رياض سلامة، باعتباره الحلقة الأضعف تشير بوضوح إلى حالة انفصام، أتاحت لكوكبة عونية الانقضاض على رياض سلامة باعتباره رأس الفساد، وهو المتهم أصلاً بـ300 مليون دولار في حين أنّ نهب المال العام بدأ منذ العام 1988 ولا يزال إلى يومنا هذا، وقد بلغ مبلغاً خيالياً بالنسبة لبلد صغير مثل لبنان.

فالأخوة في «التيار» مطالبون قبل أي شيء، أن يبدأوا بأنفسهم، لناحية المزاعم عن تورط مؤسس تيارهم بتهريب أموال إلى الخارج، إبان الحكومة العسكرية ما غيرها، وإلى الآن لم يتم حسمها ونفيها بشكل قاطع وحاسم.

ثم لناحية إعطاء الرأي العام اللبناني الصورة الواضحة حيال العقوبات المفروضة على خليفته الذي قال عنه حينها وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو: لقد فرضنا عقوبات على جبران باسيل واصفاً إياه بـ»الفاسد الذي أساء استغلال مناصبه الحكومية».

بكل الأحوال، لسنا بحاجة للتأكيد على أنّ فرنسا تريد الدخول إلى الملف اللبناني من باب محاربة الفساد، ومن الثقب الأضعف رياض سلامة، بعدما فشلت في التأثير سياسياً على مسار الأمور كون ايران تملك الكلمة النهائية عبر «حزب الله»، وهي بطبيعة الحال لا تملك القدرة الاقتصادية لتكون البديل عن دول الخليج تحديداً العربية السعودية، فها هي تدخل من هذا الباب، وما التناغم مع باسيل في قضية رياض سلامة الا أحد القرائن على ذلك.

خلاصة الأمر، في تحليل قضية رياض سلامة والدور الفرنسي فيها، يجب أن يبقى ماثلاً في الاذهان: إنّ القضاء صانع من صنّاع السياسة الخارجية، وإنّ الكلمة الفصل في مسألة حاكمية مصرف لبنان تعود للولايات المتحدة، لأسباب يعرفها اللبنانيون جميعاً. وعليه نسأل: هل هناك من صراع خفي فرنسي-أميركي على ضفاف المصرف المركزي اللبناني؟


MISS 3