* يتحدد الوصول الى الخدمات والموارد من خلال الإنتماء السياسي أو العلاقات الشخصية، لا على أساس الجدارة أو الحاجة
*النساء على درجة أقل من المعرفة بمفهوم الزبائنية مقارنة مع الرجال، ما يمكن اعتباره نتيجة مباشرة لإقصاء النساء عن السياسة
*كل خدمة للمواطن تقوم على الزبائنية كون التعاطي مع المواطن على خلفية القوة الحزبية المسيطرة وليس بهدف الخدمة العامة
في بلادنا كل خدمة قائمة على فكرة الزبائنية حتى لو كانت خدمة عامة. الزبائنية آفة مستشرية في عمق النظام السياسي اللبناني، حيث يستخدم السياسيون شبكات المحسوبية والممارسات الزبائنية للحفاظ على سلطتهم ونفوذهم، مما يؤدي الى مشهد سياسي منقسم وعالي التسييس، وغالباً ما يتحدد الوصول الى الخدمات والموارد من خلال الانتماء السياسي أو العلاقات الشخصية، لا على أساس الجدارة أو الحاجة. يُنتقد انتشار الزبائنية هذا لاسهامه في الفساد وعدم المساواة وتآكل الحكم الديمقراطي في لبنان، مما يشكل تحدياً كبيراً لبناء نظام سياسي أكثر شفافية وعدالة يخضع للمساءلة.
من هنا، اجرت «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» LADE دراسة لقياس تأثير الزبائنية السياسية على المواطنين/ ات اللبنانيين/ ات، مع التركيز بشكل أضافي على تأثيرها على المرأة اللبنانية. اعتمدت الجمعية، لاجراء دراستها، على عينة عشوائية جمعها منسقو/ ات «لادي»، وهي تتألف من استمارات توزعت على مواطنين/ ات ( مناصفة بين الذكور والاناث) في جميع الاقضية اللبنانية استهدفت البلديات من مختلف الاحجام ( الكبيرة والمتوسطة والصغيرة). تلقى الاستطلاع 891 إجابة حتى الآن (50,22% من الذكور و49،8% من الاناث)، هدفت الجمعية من خلالها الى توفير نظرة ثاقبة لخطورة الزبائنية على المواطنين/ ات وآثارها على مختلف فئات المجتمع.
الورقة الأولى
تجدر الإشارة الى أن هذه الورقة هي الأولى من سلسة أوراق بحثية، تتعمق في موضوع الزبائنية وتداعياتها على النساء بشكل خاص.
بشكل عام، قال 57،8% من المستطلعين (279 ذكراً و236 انثى) انهم على دراية بمفهوم الزبائنية، فيما ذكر 41،9% من المستطلعين (168 ذكراً و208 اناث) انهم لا يعرفون ما الزبائنية. ورغم أن النسبة الأكبر تعلم ما الزبائنية، لكن التصور مختلط بين المستطلعين بما يتعلق بالتمييز بين الخدمة العامة والممارسة الزبائنية. هذا الواقع يدل على نقص الوعي بصلاحيات البلديات وواجباتها القانونية، مما يؤدي الى حالات تصنف فيها الخدمات العامة بشكل خاطئ على أنها ممارسات زبائنية.
وفي هذا السياق، تظهر الأرقام ان النساء على درجة أقل بمعرفة مفهوم الزبائنية مقارنة مع الرجال، ما يمكن اعتباره نتيجة مباشرة لإقصاء النساء عن السياسة. ومع ذلك، اعتبر اغلب المستطلعين أن ثمة ممارسات زبائنية، مشيرين الى المحسوبية كعامل بارز في مثل هذه الحالات.
بهدف تحليل النتائج الرئيسية التي توصلت اليها الجمعية بناء على إجابات المستطلعين، تقسم هذه الدراسة الى ثلاثة أقسام فرعية:
1 - مستوى مشاركة المواطنين في الأنشطة البلدية
بالأرقام، فإن مستوى مشاركة المواطنين في الأنشطة البلدية متواضع نسبياً. فمن بين 891 مستطلعاً، شارك 27،3% منهم فقط في الفعاليات التي نظمتها البلديات (145 ذكراً و98 انثى)، فيما دعي 29،4 % منهم فقط الى حضور اجتماعات البلدية (156 ذكراً و106 اناث). ورغم ان النسبة منخفضة في الحالتين، تظهر الأرقام ان نسبة النساء المشاركات في الاجتماعات أقل من نسبة الرجال.
ووفقاً لمن حضر الاجتماعات فقد جرت خلالها مناقشة مجموعة واسعة من المواضيع:
• حملات توعية حول فيروس كورونا والكوليرا.
• ورش عمل حول حماية المرأة والطفل.
• تحديثات حول الإنجازات البلدية.
• تنظيم فعاليات اجتماعية وثقافية ورياضية.
• معالجة الشكاوى التي اثارها السكان في ما يتعلق بالكهرباء والمياه والنفايات ومسائل أخرى.
غير أن الأرقام تبرز أن الاستراتيجية التي تتبعها البلديات للتواصل مع السكان ضعيفة، اذ تستهدف فئة ضيقة من المواطنين بدلاً من أن تشرك جميع السكان في اجتماعاتها. وفي حالات معينة، لا تكون الدعوات الى هذه الاجتماعات بمبادرة من البلدية نفسها، بل من قبل الأحزاب السياسية التي تملك حضوراً ونفوذاً كبيرين داخل البلدية. والجدير بالذكر، أيضا، ان القضايا التي تجري مناقشتها في هذه الاجتماعات غالبا ما تعطي الأولوية لمصالح حزب سياسي معين على حساب المصلحة العامة للبلدة وسكانها، ما يثير القلق بشأن حيادية عملية صنع القرار وفعاليته داخل البلدية، لانه قد يقوض المصالح والاحتياجات الجماعية للمجتمع.
2 - أنواع الخدمات المقدمة
في غياب خطة حكومية واضحة لتلبية الاحتياجات الأساسية اليومية للمواطنين، يلجأ عديد من الافراد الى المؤسسات المحلية للحصول على الخدمات، غير مدركين أن بعض هذه الخدمات يمكن تصنيفه على أنه ممارسات زبائنية. فبالاضافة الى الصلاحيات الأساسية للبلديات، مثل اصدار تراخيص البناء وتوفير خدمات الصرف الصحي وصيانة الطرقات الفرعية وانارة الشوارع وحماية البيئة، اعرب المستطلعون عن رغبتهم في الحصول على خدمات أخرى من قبل البلدية، تظهر في الجدول المرفق.
الإجابات تؤكد وجود تصورات مختلطة بين المواطنين عندما يتعلق الامر بالتمييز بين الخدمة العامة والممارسة الزبائنية، مما يكشف عن نقص الوعي بواجبات البلدية وصلاحياتها.
فعلى سبيل المثال، يعتبر 209 من المستطلعين (108 ذكور و101 اناث) ان الحصول على وظيفة خدمة عامة، بينما ينظر اليها 317 مستطلعا ( 156 ذكراً و161 انثى) على أنها خدمة خاصة، فيما يصنفها 365 مستطلعاً ( 183 ذكراً و182 انثى) على انها ممارسة زبائنية. في المقابل، يرى 162 مستطلعاً ( 75 ذكراً و87 انثى) ان اصدار رخصة البناء التي هي من صلاحيات البلديات ممارسة زبائنية، بينما يعتبرها 315 مستطلعاً ( 161 ذكراً و154 انثى) بمثابة خدمة خاصة.
بالإضافة الى ذلك، أدى غياب النهج المنظم المنصف لتقديم الخدمات العامة للمواطنين الى ظهور المحسوبية، التي تمنع بشكل أكبر توفير الاحتياجات الأساسية للسكان بشكل عادل. وقد أقر اغلب المستطلعين بان الممارسات الزبائنية ملموسة وحقيقية. ويتضح ذلك في كلام بعضهم:
• كل خدمة تقدمها البلدية للمواطن تقوم على الزبائنية لكون البلدية تتعاطى مع المواطن من خلفية القوة الحزبية المسيطرة وليس بهدف الخدمة العامة.
• كل الخدمات التي تقدمها بلديتي تدخل منطق الاستغلال الزبائني من اجل مصالح حزبية او سياسية.
• افضل أن يعامل كل الناس السكان في البلدة بالطريقة نفسها! سواء اكانوا سكاناً او من البلدة.
3 - من منظور جندري
أعربت 220 امرأة من اصل 440 مستطلعة عن اعتقادهن بان الزبائنية تؤثر بشكل إضافي على النساء، كما رأت 185 منهن ان هناك افضلية للرجل عند تقديم الخدمات من قبل البلديات.
ووفقا للمستطلعات الاناث، فان غالبية المناصب يشغلها الذكور في الغالب، كما أن اغلبية المرشحين هم من الذكور، في مقابل وجود دعم منخفض لترشح النساء، حتى لو كن مؤهلات وذوات خبرة. بالإضافة الى ذلك، فان السيطرة الحزبية الذكورية منتشرة في مختلف البلديات، مما يعكس تأثير المجتمع الابوي عليها.
تسلط هذه النتائج الضوء على استمرار غياب المساواة بين الجنسين، في انعكاس للعوامل الثقافية والاجتماعية التي تعيق مشاركة المرأة في السياسة، الى جانب نقص الوعي بحقوق المرأة. لذا، هناك حاجة الى سياسات وتدابير فعالة لمعالجة هذه الحواجز القائمة على النوع الاجتماعي وتعزيز المشاركة النسائية في السياسة المحلية. وبالتالي، ومن خلال التحليل الذي اجرته الجمعية، يصبح واضحاً ان هناك غياباً ملحوظاً للسياسات الكافية التي تدعم مشاركة المرأة في السياسة المحلية. عبّرت غالبية المستطلعات عن ان النساء غالباً ما يستبعدن من المشاركة السياسية، مما يؤدي الى التغاضي عن ادوارهن.
يعود ذلك الى عاملين رئيسيين:
• أولا، يساهم المجتمع الابوي في استمرار الأدوار والمعايير التقليدية المنسوبة الى الجنسين، مما يحد من فرص المرأة في المشاركة السياسية.
• ثانيا، يحد الاعتماد الاقتصادي للمرأة على الرجل من قدرتها على المشاركة بشكل فعال في السياسة بسبب القيود المالية.