الجيش الأوكراني في مرحلة الإستعداد للهجوم المضاد لإستعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا في الأسابيع الأولى من الغزو في عام 2022. وفي هذه المرحلة يقوم الجيش الأوكراني بتشتيت الجيش الروسي في جبهات عدّة، ضمناً الداخل الروسي، لعدم تركيز القدرات القتالية من عديد وعتاد في المواقع المرجح أن ينطلق منها الهجوم المضاد، إضافة إلى الحرب النفسية وحرب المعلومات وإضعاف الدعم الشعبي الروسي للكرملين، والتدريب على الأسلحة الغربية الجديدة المقدّمة من دول الناتو.
أسفر الضغط المستمر من جانب أوكرانيا على الحلفاء عن نتائج مهمة، إذ قدّم أعضاء الناتو أسلحة عالية التقنية، بهدف الوصول إلى تكامل أرضي - جوّي، لتأمين الحماية الجوية للقوات البرّية، وزيادة فعالية الأسلحة المقدّمة، فما هي هذه الأسلحة ولماذا هناك حاجة إليها؟
المدرعات
تمّ نقل أكثر من 230 دبابة قتال رئيسية غربية إلى أوكرانيا، بما في ذلك دبابة "أبرامز أم 1" الأميركية و"تشالنجر 2" البريطانية، لكن الغالبية العظمى من دبابات "ليوبارد 2" الألمانية الصنع. تعد هذه النماذج من أفضل النماذج في العالم من حيث القوّة النارية والحماية والحركية. وتعمل مجموعة من الأجهزة الإلكترونية وأجهزة الاستشعار وقدرات القتال الليلي على تضخيم قدراتها، ما يمنح القادة الوسائل لرصد الدبابات الروسية وتدميرها على نطاق أكبر بكثير من دبابات العدو، وبالتالي ستحدث ثقوباً في دفاعات العدو، ويستغل الجيش الأوكراني هذه الثغرات للتقدّم سريعاً خلف الخطوط الدفاعية الروسية.
المشاة
ستتقدم مع الدبابات وخلفها مباشرة وحدات مشاة ميكانيكية، أي محمولة في عربات قتالية مدرّعة، تستخدم بشكل أساسي مركبات قتال المشاة مثل "برادلي" الأميركية أو "جيرمان ماردير"، القادرة على نقل القوات بأمان نسبي. هذه المركبات مسلّحة بمجموعة متنوعة من مدافع 30 ملم أو صواريخ مضادة للدبابات ويمكنها الدفاع عن نفسها مع توفير نيران داعمة.
خضعت القوات الأوكرانية لدورات مكثّفة في خوض حرب حديثة على طريقة الناتو، بالإضافة إلى الابتكارات التكتيكية التي أتقنها الأوكرانيون، فالسرعة عامل رئيسيّ في التقدّم بمساعدة المدفعية والقوات الجوّية. لذلك، من المرجح أن ينطلق الهجوم في المناطق المفتوحة نسبيّاً في جنوب أوكرانيا، حيث طبيعة الأرض مثالية للإستفادة من المدرّعات ومركبات القتال برّاً.
المدفعية بعيدة المدى
تؤمّن المدفعية الدعم والغطاء الناري للقوات المهاجمة، إضافة إلى تدمير الأهداف الحساسة البعيدة التي يمكن أن تؤثر سلباً على القوات المهاجمة. في حزيران 2022 قدّمت الولايات المتحدة لأوكرانيا نظام الصواريخ المدفعية عالي الحركة أو "هيمارس 60"، وهي راجمة صواريخ أميركية دقيقة التوجيه، يمكنها إطلاق 6 صواريخ برأس حربي وزنه 100 كلغ، بمدى أقصى 80 كلم.
لقد كانت "هيمارس" فعّالة للغاية في تدمير مخازن الوقود والذخيرة الروسية وسكك الحديد ومراكز القيادة والسيطرة، حيث حاولت أوكرانيا إضعاف قدرة روسيا على إجراء عمليات عسكرية، ما أجبر الجيش الروسي على نقل مراكز الإمداد ومواقع قيادته إلى الخلف إلى ما هو أبعد من مدى صواريخ "هيمارس".
تبرّعت المملكة المتحدة مؤخراً بصواريخ "ستورم شادو" كروز الذي يحلّق بسرعة أقل من سرعة الصوت على مستوى منخفض جدّاً يجنّبه رادارات العدو، ويحمل رأساً حربيّاً يبلغ وزنه 480 كلغ ويتمتّع بدقة متناهية ويصل مداه إلى 250 كلم. إنه متطور بما يكفي للطيران حول العوائق والمناطق المحميّة بشدة بواسطة بطاريات الدفاع الجوي. ومع اقترابه لمنطقة الهدف، يتسلّق ويغطس للأسفل نحو هدفه حيث تنفجر الشحنتان الأوليتان، ما يسمح للشحنة الرئيسية بالدخول والانفجار في عمق الهدف، ما يؤدي إلى تدميرها تماماً، حتى ولو كانت شديدة التدريع.
القوّة الجوية
كلّ هذا سيكون معرّضاً للخطر إذا لم تستطع أوكرانيا السيطرة على السماء فوق ساحة المعركة. فعلى الرغم من مناشدات الرئيس فولوديمير زيلينسكي المنتظمة للمجتمع الدولي، فإن طائرات "أف 16" لن تصل قبل الهجوم المضاد لإحداث فرق في هذه المعركة، لكن ما كان مفيداً هو التبرّعات التي قدّمتها سلوفاكيا وبولندا من طائرات مقاتلة سوفياتية من طراز "ميغ 29" التي عوّضت عن الخسائر طوال الصراع.
فاق عدد القوات الجوية الروسية عدد القوات الجوية الأوكرانية بأكثر من ستة إلى واحد في بداية الحرب. إحدى المفاجآت الكبرى لمراقبي الصراع، أن روسيا، على الرغم من تفوقها الساحق، فشلت فشلاً ذريعاً في تدمير القوات الجوية الأوكرانية في الأيام الأولى من الغزو، بفضل الدفاعات الجوّية التي تعتبر مركز ثقل تكتي للجيش الأوكراني، فقد حرمت الطائرات المقاتلة الروسية التحليق فوق الأراضي الأوكرانية، وتمكّنت من إسقاط الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيّرة بنسبة تفوق الـ90 في المئة.
لدى أوكرانيا العديد من أنظمة الدفاع الجوّي المقدمة من دول الناتو، أهمها نظام "باتريوت باك 2" الأميركية الذي يصل نطاق راداراته إلى أكثر من 150 كيلومتراً، وهو الأكثر إحتمالاً نشره في محيط المدن الإستراتيجية مثل كييف وعلى الحدود الأوكرانية - الروسية لإعتراض الصواريخ الباليستية والطائرات المقاتلة والمسيّرات المتجهة من الداخل الروسي في اتجاه أوكرانيا، إضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي متوسطة وقصيرة المدى، التي تنشرها في محيط المدن والقواعد العسكرية والنقاط الحسّاسة، مثل "ناسماز" و"آيريس تي" الألمانية.
التدريب
تعتبر الأسلحة المستخدمة مهمة للغاية ويمكن أن تمنح أوكرانيا ميزة كبيرة، ولكن القدرة على استخدام كلّ هذه الأسلحة معاً ككيان واحد، كل منها يعزز قدرات الآخر لتوفير جيش متماسك وكامل، يتطلّب التدريب الذي يتمّ إجراؤه من قبل الغرب لـ11 لواء أوكرانياً، ليس فقط من قبل وحدات المشاة ولكن أيضاً من قبل كبار الضباط على استخدام الأسلحة المشتركة. والأهمّ، هو التدريب الواضح على استخدام الحرب النفسية والإعلامية واستخدام استراتيجيات الخداع.