شربل داغر

لماذا التقدّم مكروه؟

29 أيار 2023

02 : 00

لماذا لا يتمّ الكلام عن: «التقدم» في هذه البلاد، بدل الحديث عن: «الثورة»، التي باتت ممجوجة في خطابها، وجلابة كوارث في عملياتها الجارية ؟

فالدعوة إلى «الثورة» تنتشر فوق ألسنة، وفي خطابات، وفي مشروعات، يَجمع بينها في الغالب: استلام السلطة، ليس إلا.

هكذا يكون صاحب الانقلابات داعية ثورياً، وصاحب الانتقامات المذهبية داعية ثورياً، وغيرهم الكثير ممن يقوم بانقلاب، ويعلن أنه ثورة.

هكذا احصينا ونحصي في غير بلد عربي عشرات المشروعات الثورية، المعلنة أو المستورة، فيما لا نجد بالضرورة شروط قيام احزاب أو مجموعات اجتماعية او نقابات... لهذا كانت «الثورات» مشروعات قمعية وفوقية فيما لو بلغت السلطة، أو مشروعات حروب أهلية محدودة أو معممة.

أي «ثورات»، وهي تتجلى في مشروعات وإعدادات مذهبية، هوياتية ليس إلا؟

أي دولة مدنية، وهي لا تعني عند بعضهم غير الأغلبية المذهبية؟

وأشد ما تفتقر إليه هذه «الثورات» هو معاينتها لما يجري، ولشروط قيامها، ولانضمام الأفراد إليها.

ومجموعات «الثورات» التي فشلت، قد عنت قوة القمع السلطوي، الذي لا يتيح اي تشكلات سياسية ونقابية ممكنة...

هذا أكيد، من دون شك، ولا يَخفى على اي متابع لمجريات الحياة العلنية أو السرية في هذه البلاد. وهو ما يفسر عمليات القمع والسجن والإسكات والطرد من الوظيفة وغيرها التي تصيب مثقفين وناشطين هنا وهناك... ما يرسم دورة السياسة الاعتيادية، أي صعوبة قيامها.

لهذا تتجلى «الثورات» المعنية في «هبّات» فجائية، تدوم أياماً أو أكثر، لكنها لا تلبث أن تنقضي. وإذا نجح بعض هذه الهبات، أو الاحتجاجات (مثلما حصلتْ في بعض أحوال «الربيع العربي»)، فإن قوى، مثل العسكر خصوصاً، لا تلبث أن تُمسك بالحكم من جديد.

هذه «الثورات» تراجعتْ، وانكفأت، فيما كانت تنتظر، عند بعضهم، إذعان السلطة الحاكمة، وتنازلها عن الحكم لصالح القوة الثورية المنتفضة...

هذه كلها مؤشرات، علامات، تحمل دلالات أكيدة عن أن سبيل «الثورة» مسدود، أو غير نافذ، أو يأتي بنتائج غير مرجوة، ولا سيما بالدم في الشوارع والسجون والبيوت.

ألا يعني هذا كله أن شروط قيام الثورة غير ممكنة، أو غير متوافرة ؟ أليس هذا مدعاة للسؤال، للتفكير، في أن مصاعب هذه المجتمعات تبدو أعقد من حصول الثورة ؟

أعرف ان العمل من أجل «التقدم» قد لا يكون ميسراً، هو الآخر، في انظمة تتوخى الطاعة ليس إلا، جواباً ممكناً على غلبتها.

أعرف ان شروط قيام أحزاب أو جمعيات أو نقابات قد لا تكون ميسرة بالضرورة، ما دام الرئيس- القائد يعرف في كل شيء: من عالم الاستراتيجية إلى عالم كرة القدم.

إلا أنني أعرف كذلك أن إخراج الناس من عالم التقليد، والسحر، إلى عالَم الوقائع وتكفلِ البشر بأحوالهم ومصائرهم، لن يكون ممكناً بالخروج الفجائي إلى شارع أو تظاهرة.

بل أعرف ان تمكين الناس، وتنبههم، ويقظتهم، إلى أحوال عيشهم ومعاشهم، أشد وأدهى من «شعبويةٍ» سياسية ودينية تجعلهم صابرين ومستلَبين في الوقت عينه.

ذلك أن شروط السياسة، وحصولها، وتداولها بين الناس، لا تزال بعيدة المنال، ومستعصية.

ويصح في أحوالنا الشعار الذي كان يعلو في السبعينيات في التظاهرات: «دربُ النضال طويل...».