طوني فرنسيس

كيف يمكنك تنظيم مناورة عسكرية؟

30 أيار 2023

02 : 00

من سيكون التالي في تنظيم المناورات العسكرية؟ حتى الآن استعرض «حزب الله» مقاتليه وأسلحته، ثم قامت حركة «أمل» بمناورة مماثلة، ولم يأبه التنظيمان إلى الدولة والقانون، فهما في الأساس يعتبران أنّهما الدولة وأنّ على ما تبقى من فتات الدولة الشرعية أن يلتحق بهما ويخضع لتوجهاتهما ومصالحهما.

يبرر التنظيمان ظهورهما المسلّح بالاستعداد لصدّ هجوم إسرائيلي محتمل، أو لإبداء العزم على تحرير فلسطين عبر إختراق الجليل، ويتخذان من ذكرى تحرير الجنوب مناسبة لاستعراض القوة أمام بقية اللبنانيين. لا شيء يبرر مثل هذه المظاهر في دولة طبيعية تحكمها المؤسسات الشرعية المنتخبة، وتحتكم إلى الدستور والقانون وتخضع لموجباته، لكن السقوط المتمادي للدولة يجعل الخروج عليها أمراً عادياً، ويؤدي بالبلاد إلى الانقسام والتفتت والانحلال. وفي حالة مثل هذه ينتشر منطق «الحارات» ولا ينقص زعماء الأحياء سوى إيجاد العنوان والشعار الكبير للإمعان في نشر ثقافة الميليشيا وارهاب الجيران في الوطن.

العنوان العريض لتبرير الظهور المدجّج هو صد العدوان الإسرائيلي المفترض ثم ملاحقته في عقر داره. وتحت هذا العنوان وبحجته يتم التسلح وتجنيد العناصر. لكن سؤالاً يطرح نفسه هنا مفاده ما المانع أن تقوم عشرات الأحزاب والتنظيمات برفع العنوان نفسه وتنظيم الميليشيات واستعراضها في مختلف المناطق اللبنانية؟ ولو تم ذلك سيكون لبنان بلداً نموذجياً فريداً في عسكرة الطوائف والمذاهب والوقوف الدائم على حافة الانفجار الأهلي.

لكن قبل الوصول إلى هذه العسكرة العميمة، ثمة سؤال أبسط من ذلك بكثير: هل يمكن للقوى التي ساهمت في التحرير، وقادت المواجهة مع الاحتلال تحت اسم «جبهة المقاومة الوطنية» أن تنظم استعراضاً ومناورة عسكرية؟

يبدو حصول ذلك أمراً بديهياً بل وطبيعياً في فورة الاحتفالات التحريرية، لكن يمكن الجزم أن القوى التي تستعرض عضلاتها اليوم لن تسمح بذلك، وستستعين ببقايا الدولة لاعتقال ومحاسبة «الجبهة» ومغاربها بحجة حمل السلاح أو ارتداء اللباس العسكري.

إنها مهرجانات الاستقواء التي لن تعرف أهدافها التفصيلية بمعزل عن النزاعات الثنائية الخفية، أو بمعزل عن مآلات الصراع الداخلي المفتوح حول رئاسة الجمهورية ونوع الحكم المقبل، أما تحرير فلسطين وصد العدوان فمسائل أكبر بكثير، وهي تعني الفلسطينيين أولاً، وتعني كل اللبنانيين دفاعاً عن أرضهم وبلادهم.


MISS 3