جاد حداد

The Platform... محاكاة ناجحة للمجتمع المعاصر!

28 آذار 2020

04 : 45

أي نوع من التجاوب كان فيلم The Platform (المنصة) الفائز بجائزة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي ليلقى قبل عشر سنوات؟ كان ليُعرَض على الأرجح في صالات سينمائية محدودة، ثم تنتشر نزعة إلى مشاهدته خلال عروض منتصف الليل حول العالم، قبل أن يحقق نجاحاً كبيراً عند طرحه على أقراص مدمجة، باعتباره من النوع الذي ينجح عن طريق تناقل التعليقات الإيجابية الشفهية عنه بين الناس. لكن تلاشت هذه الخطوات كلها في العام 2020، فأصبح هذا الفيلم الآن متاحاً على شبكة "نتفلكس" كي يشاهده الملايين في عطلة نهاية الأسبوع. الأهم هو الوصول إلى أفلام جيدة (وهذا الفيلم جيّد حتماً)، لا سيما في فترة الحجر المنزلي راهناً. لكن لا مفر من التساؤل: هل سيحقق الفيلم النجاح على شبكة تفيض بالأعمال بقدر ما كان ليفعل لو تناقل الناس أخباره بالطريقة التقليدية؟ في مطلق الأحوال، ننصح الجميع به لأنه يستحق المشاهدة.

يطرح الفيلم مفهوماً ذكياً. تدور جميع الأحداث في موقع مستقبلي أو شبيه بأجواء قصص ألبير كامو واسمه "الحفرة". إنه سجن مؤلف من مئات الطوابق، ويوضع شخصان في كل طابق. كل يوم، تهبط منصة من حفرة كبيرة في وسط المبنى، وهي الفرصة الوحيدة لتلقي الطعام طوال اليوم. في الطابق الأول، يحصل السجناء على مائدة من الأطباق اللذيذة. لو اكتفى كل شخص منهم بحصة صغيرة، يمكن أن تصل الكميات المتبقية إلى كل سجين في الأسفل، لكن لا يحصل ذلك مطلقاً.

سنشاهد هذا الكابوس من منظور "غورينغ" (إيفان ماساغيه) الذي تطوّع لدخول السجن بهدف الإقلاع عن التدخين وقراءة كتاب (يُسمَح لكل سجين بكتاب واحد)، من دون أن يعرف حقيقة ما ينتظره. في بداية الفيلم، يشرح له زميله الأول في الزنزانة طريقة العيش في "الحفرة" في الطابق 48. في هذه المرحلة، يجد "غورينغ" كمية من بقايا الطعام على المنصة. لكنّ أسوأ جزء من هذا النظام (وأذكى رؤية اجتماعية يعرضها الفيلم على الأرجح) يتعلق بانتقال السجناء إلى طوابق مختلفة شهرياً. قد يكون السجين سعيداً نسبياً في الطابق الثامن يوماً ثم ينتقل إلى الطابق 133 في اليوم التالي. وإذا كنت تتساءل عن كيفية نجاة هؤلاء الأشخاص عند وجودهم في الطوابق السفلية، قد لا تكون مستعداً لمشاهدة الوجهة المريعة التي يصل إليها هذا الفيلم!

العبرة الاجتماعية في الفيلم واضحة: لو لم يأخذ الميسورون أكثر من حاجتهم، لبقيت كميات كافية للمحرومين! لكن لا يكتفي الكاتبان ديفيد ديسولا وبيدرو ريفيرو والمخرج غالدر غازتيلو أوروتيا بطرح هذه الفكرة، بل يوسّعونها ويستكشفونها مع كل تطوّر جديد. يحمل هذا الفيلم تحولات مبهرة في الأحداث رغم موقعه المحدود، ويشدّد كل تحوّل منها على دور الأفلام في تجسيد حقيقة المجتمع. من المدهش أن نلاحظ تأثير تغيير الطوابق على السجناء الذين كانوا سابقاً في الطوابق السفلية لكنهم أصبحوا الآن محظوظين بما يكفي كي يصلوا إلى الطوابق العليا. بدل أن يتعاطفوا مع الأشخاص الذين أصبحوا مكانهم الآن، باتوا أكثر جشعاً لأنهم يريدون التعويض عن الوقت الضائع ويدركون أنهم قد لا يقتربون مجدداً من أعلى الطوابق.

يدخل The Platform في خانة أفلام الرعب القاتمة والمريعة، فيغرق على نحو مفاجئ في الدماء خلال فصله الأخير الغني بمشاهد الحركة. هذه البنية السينمائية جعلت البعض يقارنه بأفلام مثل Cube (المكعب) وSnowpiercer (ثاقب الثلج)، لكنه يذكّرنا أيضاً بأفلام الحركة الوحشية، على غرار سلسلة The Raid (الهجوم). في نهاية المطاف، يتعلق سبب نجاح The Platform بتميّزه، فهو ليس مجرّد خليط من الأفكار المستوحاة من أفلام أخرى، بل إنه مشروع جريء في هذه الخانة من الأعمال السينمائية. وعلى غرار أي شيء آخر، يحمل الفيلم معاني مختلفة في هذا العصر. فيما نراقب طريقة عمل المجتمع (أو فشله) في وجه واحدة من أخطر الأزمات في تاريخ البشر، خَصِّصْ بعض الوقت لمشاهدة The Platform الذي يعكس وضع العالم اليوم بطريقة مؤثرة وممتعة.


MISS 3